مناضلون في كل مكان مناضلون بلا عنوان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العفو التشريعي العام : أفلح إن صدق !

اذهب الى الأسفل

العفو التشريعي العام : أفلح إن صدق ! Empty العفو التشريعي العام : أفلح إن صدق !

مُساهمة من طرف democrate الثلاثاء 15 أبريل 2008 - 22:19

العفو التشريعي العام : أفلح إن صدق !
أطلق الحزب الديمقراطي التقدمي في مفتتح هذه السنة الإدارية حملة وطنية من اجل العفو العام يعزم تجنيد القوى الوطنية والديمقراطية حولها. ومن المعلوم أن هذا المطلب قد أصبح منذ سنوات حاضرا على "أجندة" اغلب أطراف المعارضة الوطنية المستقلة و في مقدمة انشغالات المنظمات الحقوقية و الإنسانية بالبلاد ومع ذلك فإن النضال من اجل هذا المطلب لم يسلم من الخفوت و التراجع أحيانا في ظل غياب تأصيل سياسي و فكري لهذا المطلب و بحكم غياب تصور إستراتيجي واضح يجعل النضال من اجل العفو العام يتسم بالديمومة وطول النفس بعيدا عن تقلبات اليومي السياسي وعن تجاذبات الحسابات السياسية وتقلبات الصراع الإيديولوجي . إن مطلب العفو العام محتاج في الظرف الحالي إلى تنزيله في إطار رؤية عامة للمشهد السياسي الذي تأمل النخب المعارضة نحته مستقبلا كما أنه محتاج إلى فهمه في إطار فكر سياسي مفتوح ومتطور و متحرر من كل إنشداد إلى مقدمات إيديولوجية موروثة عن عقليات الاقصاء "الخطية اللاديمقراطية" . ويهمّنا في هذا السياق أن نؤكد على أن مطلب العفو العام يجد مشروعيّته بداهة في المبررات القانونية والحقوقية التي تتعارض مع كل تجريم للرأي و حق التعبير والتنظيم والتي تستهجن حرمان الأفراد من حقوقهم المدنية و السياسية بأي شكل من الأشكال مالم يكن في ممارستهم لهذه الحقوق ما يمس بآمن المجتمع وسلامته. كما يمكن آن نبرر هذا المطلب بالأبعاد الإنسانية التي ينطوي عليها إذا كان المقصود بالبعد الإنساني التذكير بالحقوق الطبيعية للبشروعلى رأسها حقوقهم السياسية (وأنا لا أريد الإشارة بالبعد الإنساني إلى ذلك المفهوم الذي يختزل المقموعين سياسيا في مجرد ضحايا بشريين تعالج ملفاتهم على طريقة "الجانحين الأحداث" أو "من زلت بهم القدم فانساقوا إلى عالم الجريمة" ممّا يجعلهم يحتاجون بذلك إلى لفتة كريمة من لدن "وليّ الأمر" أو يحتاجون إلى "عفو إنساني" كما تفتّـقت بذلك القريحة السياسية لبعض أشباه المعارضين) .

غير أنه بالرغم من هذه التّبريرات الحقوقية والإنسانية لمطلب العفو العام فإنه لا مناص من فهم هذا المطلب في سياق أبعاده السياسية العامة التي ينطوي عليها . إن من ينذر نفسه للنضال من اجل العفو العام في تونس اليوم يجب ان يكون واعيا بان إعلان هذا القرار يعني سياسيا و فكريا ما يلي :

1 – إعلان القطيعة مع واقع سياسي اتسم في تونس منذ عقود بالمعالجة الأمنية و العنفية للاختلافات السياسية و الثقافية الطبيعية داخل كل المجتمعات الحية و الحديثة فبهذه القطيعة و حدها تستعيد موازين القوى السياسية بالبلاد صورتها الحقيقية و يسترد الصراع السياسي و الثقافي قانونه الطبيعي القائم على التنافس و الحوار و الجدل السلمي المثمر و تعود الجماهير "المرعوبة و المنسحبة" من الشأن العام إلى دورها الحقيقي كحكم موضوعي حاسم بين الأطراف الحقيقية المؤثـّثة للمشهد السياسي عبر صناديق الانتخاب و الاستفتاء و عبر حركية الانتماء والتعبئة البشرية للأحزاب والمنظمات و الجمعيات على قاعدة القناعة و المصادقة المتحررة من كلّ أشكال الخوف و التزلف و الانحناء للضغوط .

إن قرار النخب الحرة بالنضال من أجل إقرارالعفو العام و قبول السلطة بإصدار "مرسوم" هذا المطلب يعني ببساطة استعدادا صريحا لتدشين عهد سياسي جديد قوامه صراع و جدل سياسيان قائمان على مبادئ الحرية و الجهد و النضال الحزبي و الفكري السلمي بعيدا عن كل مظاهر الإرهاب المتبادل و اللهث وراء احتكار القوة المادّية لتقزيم الخصوم و إقصائهم بعيدا عن شرعية القانون المدني الذي تؤسسه الإرادة التعاقديّة للمواطنين الأحرار كما صاغت أسسها الفلسفة السياسية الحديثة كخلفية وضمان فكري للديمقراطية باعتبارها الحلّ البشري الأمثل لضمان الانتقال من "حالة الطبيعة" و القطع مع وضعية "الاحتراب المتبادل المؤذن بخراب العمران".

2- إن إعلان الانخراط في هذا المطلب هو إعلان للنضال من أجل تمكين المجتمع التونسي بالدخول الجدي في هو محتاج إليه من حوار حقيقي و هادف بين جميع أطرافه و قواه مهما كانت قناعاتهم حول القضايا الرئيسية و التحديات الكبرى التي تواجه البلاد. إن حرمان العديد من قوى شخصيات اليسار الاجتماعي المتجذر في تونس من حقوقهم السياسية و المدنية قد حرم البلاد مثلا من تعميق الحوار الجدي داخل المجتمع حول الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية الكبرى بالبلاد في ظل تحديات العولمة و النظام الاقتصادي العالمي الجديد و قد أدى ذلك إلى إنفراد السلطة بالقرار الاقتصادي و الاجتماعي بمباركة ممن اختارتهم كمحاورين غير أكفاء من أحزاب و منظمات اجتماعية صُنِعَتْ على مقياس السلطة و طُهِّرَتْ من "المناوئين و المتطرفين" وهو ما أدى إلى الانخراط في خيارات اقتصادية و اجتماعية لا تؤمن عواقبها على البلاد و العباد .

كما إن حرمان القوى و الشخصيات ذات التوجه العروبي الحقيقي أو الإسلامي من تأثيث المشهد السياسي بالبلاد قد عطل التفاوض و الجدل الحقيقي حول الاختيارات التربوية والثقافية بالبلاد و لقد حسمت العديد من القضايا الرمزية الهامة من طرف السلطة و الدائرين في فلكها مثل مسائل الهوية والحداثة والعلاقة بالتاريخ وصورة التلميذ التونسي ومقومات الشخصية الثقافية للشعب و موقع الدين الإسلامي والعلاقة بالفضاء العربي و الموقف من الآخر وغيرها من القضايا التي نصبت فيها السلطة نفسها حكما وحيدا موظفة في ذلك أجهزتها و "معارضتها المهادنة" والعديد من المثقفين المتزلفين لها أو الخائفين من سطوتها بل وحتى العديد من الأطراف الفكرية و الثقافية و السياسية المحمولة على شعارات "حداثة وعلمانية و وطنية قطرية" لم توضح أبعادها و لم تعمق مضامينها في غياب حوار علمي رصين بعيدا عن استقطابات وهمية و تعميمات فكرية ولدتها وضعية صراع سياسي قوامه الرعب الأمني و إقحام "التّصنيف البوليسي" في جدل الفرز الثقافي.

إن إعلان العفو العام في تونس هو في كلمة واحدة إعادة الحياة السياسية بالبلاد إلى وضعها الطبيعي بما هي صراع حقيقي بين القامات الحقيقية و بماهي تعبير حقيقي عن الإيقاع الفعلي للمجتمع بعيدا عن مظاهر الحسم المزيف. إن هذا التأصيل الفكري والسّياسي لمطلب العفو العام يجب أن لا يمنعنا من مصارحة أنفسنا حول حرج حقيقي يمكن أن يمثله إقرار هذا المطلب لدى السلطة من ناحية و حتى لدى قطاع عريض من النخبة السياسية المعارضة نظرا إلى أن المستفيد الكبير من هذا المطلب يتمثل في التيار الإسلامي و "حركة النهضة" أساسا خصوصا و أن موقع هذا التيار الفكري و السياسي في المشهد السياسي مازال يمثل موقع جدل لدى كل من السلطة و حركة المعارضة باختلاف أطيافها و ذلك لأسباب عديدة ومتداخلة منها الأمني و الأيديولوجي . ولكن هذا الحرج في رأيي ليس قدرا محتوما لا يمكن تلافيه إذا صدقت النّوايا في إجراء حوار موضوعي يتم على إثره إقرار جملة من التسويات و التفاهمات الفكرية و السياسية تحصن الصراع الحزبي في البلاد من مظاهر الانحراف و ومخاطر التـناحر .

إن صياغة "ميثاق وطني جديد" تحسم فيه القضايا الخلافية في المسائل الفكرية و السياسية بداية من إشكالية الهوية الثقافية للمجتمع التونسي و موقع الدين في العمل السياسي ومنزلة المكاسب الاجتماعية التونسية في مجال المرأة والتشريع وفي مجال مواقع و أساليب التعبئة السياسية و في مجال طبيعة الخطاب و اللغة السياسية و موقع القانون في تنظيم قواعد اللعبة السياسية، إن صياغة هذا الميثاق كفيلة بضمان الحد الأدنى المطلوب من الثقة والاطمئنان المتبادل والاحترام المشترك لأرضية العمل الجماعي دون تغييب لمحاور الصراع والاختلاف الضروريين والضامنين لحركية المجتمع وحيوية الجدل الاجتماعي.

و في هذا السياق لا أرى حرجا في الإشارة إلى أنه لا وجود لمبرّرات "ديمقراطية أو قانونية" في مجتمع حديث تسمح بمنع أيّة مجموعة من المواطنين الأحرار في الانتظام الحزبي أو الجمعياتي على قاعدة نسق أيديولوجي مغلق أو مفتوح، بشريا كان أو ادعى لنفسه الانطلاق من نصوص دين إلاهي شرط أن لا يُشرّع هذا النسق لأصحابه حق إقصاء الآخرين أو المنافسين السياسيين تحت عناوين اتهامهم "بالرّجعيّة أو الخيانة الوطنية أو التحريفية أو الكفر و الإلحاد" و شرط الالتزام باعتبار الآخر مجرد منافس فكري أو سياسي يتم الصراع معه على قاعدة الحجة العقلية و البرنامج السياسي و النصوص القانونية المتعاقد عليها لتنظيم الحياة العامة و من هنا و مـثـلما لا نرى حرجا في تواجد تنظيمات تتخذ "الأيديولوجية اللبرالية أو الماركسية اللنينية" قاعدة لعملها السياسي فلا مانع في تونس من تواجد مجموعات تتخذ الفكر العروبي بتلويناته المختلفة أو الفكر الإسلامي بتوجهاته المتعددة أساسا لانتظامها الحزبي شرط أن لا تتحول هذه المجموعات إلى ناطق رسمي باسم الثوابت المشتركة لعموم الشعب التونسي أي العروبة و الإسلام و انطلاقا مما تقدّم فإن شجاعة المناضل الديمقراطي الحقيقي الطامح إلى مشهد سياسي متطور في تونس تدفعه إلى الإعلان صراحة عن حق الجميع في التعبير و الانتماء والتنظيم بما في ذلك الإسلاميين بمختلف أطيافهم أما في خصوص السلطة فلا أرى أن أمرا كهذا يمكن أن يمثل بالنسبة لها مصدر حرج و ذلك للأسباب التالية :

1 - لم يعد خافيا على الملاحظ اليومي للشأن التونسي حجم الزيف و سوء التقدير المتبادل الذي رافق سنوات الصراع المؤلم الذي دار بين الحكم و "حركة النهضة" كما لم يعد خافيا على أحد حجم الخسارة السياسية و الثقافية التي رافقت و نتجت عن هذا الصراع الذي حكمته و بررته توازنات و حسابات مغلوطة و دفعت إليه عوامل قطرية و إقليمية و دولية أصبحت في عداد الماضي.

2- لقد استنتج الفاعلون الحقيقيون في الساحة السياسية المعارضة بتونس من ديمقراطيين حقيقيين وناشطين حقوقيين بل و استنتج العديدون من الإسلاميين أنفسهم ما يلزم من الدروس من محنة الصراع الذي عاشته البلاد بين الإسلاميين و السلطة من ناحية و الإسلاميين والديمقراطيين من ناحية و بين الإسلاميين و الديمقراطيين مجتمعين و السلطة من ناحية أخرى مما يعد بإمكانية صياغة أخرى للمشهد السياسي تقوم على احترام حق الاختلاف ضمن الحدود التي لا تخرج الصّراع من آفاقه المثمرة

3- إن نظرة سريعة على جيراننا في المغرب و المشرق العربيين بل و على ساحة المجتمعات الإسلامية تبرز بما فيه الكفاية أن تواجد أطراف سياسية ذات توجه إسلامي ليست بالخطورة التي نتصور على سلامة الصراع السياسي بين الأحزاب ففي الجزائر لم تمنع حقبة الصراع الدموي بين الحكم والمجموعات المسلحة و لم يمنع حل "جبهة الإنقاذ الإسلامية" من تواجد أحزاب إسلامية أخرى قانونية و لعل ذلك كان من بين العوامل التي ساعدت الجزائر على الخروج من محنتها و هاهي الآن تتوجه بخطى حثيثة نحو إعادة جو الوئام المدني و إعلان العفو الشامل كخطوة مهمة نحو إرساء الديمقراطية على قواعد ثابتة ووطيدة أما المغرب الأقصى فإن الإرهاب الأعمى لم ينجح في دفع السلطة و المعارضة إلى التراجع عن القبول بمشهد سياسي تؤثث ملامحه قوى مختلفة تتراوح بين اللبرالية و اليسارية و الإسلامية المعتدلة والسلفية أما في مصر فلقد ظلت المجموعات الإسلامية الوسطية تنشط بشكل أو بآخر في النقابات والأحزاب وعلى صفحات الكتب والجرائد رغم سنين الجمر التي أرهقت مصر بتناحر أعمى بين "المجموعات التكفيريّة والجهادية المتطرفة". وهاهي الأردن و البحرين والكويت تعيش وضعا من العمل السياسي رغم محدوديته الديمقراطية تشارك في تنشيطه جماعات سياسية يعلن بعضها لواء الإسلام السياسي جنبا إلى جنب مع قوى قومية و يسارية و لبرالية بل لعلنا لا نملك إلا أن نقف باندهاش أمام وضع بعض دول المواجهة التي تتصارع على ساحتها السياسية أطراف علمانية و إسلامية دون انحرافات خطيرة مثل لبنان و فلسطين إن التجارب المذكورة أعلاه ليست بالصورة التي نأملها فالأكيد أن نواقصها كثيرة لكن من من التونسيين الصادقين فعلا لا يشعر بالغيرة الإيجابية و هو يتابع على الفضائيات العربية برامج الجدل و الحوار في دول كان مواطنوها يحسدون "تونس الثمانينات" على وضع الحريات والإعلام الذي كانت تعيشه البلاد في الساحة العامة و داخل أروقة الجامعة رغم أنه لم يكن يرضينا في ذلك الوقت . وخلاصة القول إن مطلب العفو العام لا يخيف فلنرفعه بصدق و إيجابية لعل "عهدا جديدا" يحلّ بالفعل لا بمجرد القول.

الحبيب بوعجيلة
democrate
democrate
عضو جديد
عضو جديد

عدد الرسائل : 21
العمر : 39
الموقع : sousse
تاريخ التسجيل : 17/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى