مناضلون في كل مكان مناضلون بلا عنوان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مشروع تحويل جمعية الصحفيين التونسيين إلى نقابة

اذهب الى الأسفل

مشروع تحويل جمعية الصحفيين التونسيين إلى نقابة Empty مشروع تحويل جمعية الصحفيين التونسيين إلى نقابة

مُساهمة من طرف mouyn الأحد 30 ديسمبر 2007 - 2:27

الحبيب الحمدوني
تونس نوفمبر 2007


كان من المفروض أن ينشر هذا المقال في العدد الأخير من الطريق الجديد في ركن" نبض الكلام"

مشروع تحويل جمعية الصحفيين التونسيين إلى نقابة: ما مدى استقلالية المشروع؟


الإعلام سلطة. الكل يخشاه خشية لا تضاهى . وقد أثبت فعالية متزايدة خاصة في العقود الأخيرة ترافقت مع الثورة الكبيرة التي حصلت في مجال تكنولوجيا الاتصالات. فهو يشكل الرأي العام ووعيه وطرائق فهمه وتفسيره للمعطيات والأحداث. لذلك، فالحكومات التي لا تعتمد الشفافية أسلوبا في الحكم ولا تريدها تنزعج أيما انزعاج من أية مبادرة داخل القطاع قد تنزاح به إلى الاستقلالية والنقد والموضوعية. ولذلك أيضا، حين تم الإعلان منذ حوالي ثلاث سنوات عن تأسيس نقابة مستقلة للصحفيين لم ترحب بها السلطة القائمة وسعت بكل الوسائل إلى محاصرتها ومنعها من النشاط. ولم تعترف بها أصلا رغم أن القانون لايقتضي في حال تكوين النقابات سوى الإعلام بها بما يضعها في موقف المتعسف على القانون الذي كان من المفروض أن تحترمه وتسهر على فرض احترامه. وموقفها هذا لا يستوجب فهمه كثير اجتهاد. فالقطاع على غاية الحساسية وهو عندها من أهم وسائل الهيمنة والتحكم. وخروج مجموعة من الصحافيين على الرضا بالواقع هو في نظرها نوع من التمرد قد يفضي في النهاية إلى انفلات القطاع من قبضتها الحديدية.

وحري بنا أن نذكر أن النقابة ما كان لها من مبرر لوجودها لو تحملت الهيكلة القديمة المتكلمة باسم الصحفيين واجباتها في الدفاع عنهم وعن القطاع خاصة في بحر أكثر من عقد من الزمن. وأعني جمعية الصحفيين بعد أن كانت منارة في الماضي طعّمت المجتمع المدني بثلة من ناشطيه وإطاراته.

فالجمعية أعاقها أمران حالا دون أن تكون خير متكلم باسم الصحفيين. الأول – وهو أقل قيمة من الثاني- ملازم لفلسفة التأسيس والسكة التي وضعت عليها منذ البداية. فقد اختار المؤسسون أن يكون نظامها قائما على الصبغة الودادية فوجدت نفسها عاجزة عن تبني عموم المطالب المهنية للصحفيين مثل ما يمكن أن تقوم بذلك نقابة، الأمر الذي جعل الصحفيين يتفاوضون مع اتحاد الشغل كمركزية نقابية وحيدة لسنوات من أجل تأسيس نقابة منضوية تحت لوائه . الثاني التبعية للدولة التي ميزت عملها منذ فترة غير قصيرة بعد أن أصبح مكتبها التنفيذي في معظمه من المقربين من نظام الحكم ومختلف أجهزته السياسية. فضاقت رقعة تحركها وصارت تبحث عن الود والوفاق مع السلطة أكثر مما تبحث عنهما مع قواعدها. وكان من الطبيعي، والحال هذه، أن تنزعج الجمعية من النقابة الفتية تماما مثلما انزعجت الجهات الرسمية وخشيت أن يسحب من تحتها البساط وتنعزل أكثر فأكثر عن جموع الصحفيين.

فتحركت مختلف الماكينات المعنية لإيقاف تيار الاستقلالية داخل القطاع. وقويت وتيرة هذه الحركة مع قبول إتحاد الشغل مبدأ إدماجها في هيكلته خاصة بعد تدخل أطراف ومنظمات محلية ودولية مثل"السيزل" و"الفيدرالية الدولية للصحفيين". ويبدو أن الإتحاد أساء تقدير حساب الوضع الداخلي والضغوطات الرسمية التي تكثفت عليه فشرع في التنازل التدريجي إلى أن أصبح شريكا في مشروع الالتفاف على النقابة وانقلب على التزاماته التي تعهد بها. فأجل في مرحلة أولى المؤتمر الذي كان مزمعا عقده في أواسط جوان 2007. وأكدت الأحداث اللاحقة أن الإجراء تم لإعطاء الوقت الكافي للسلطة وللجمعية معا للتحضير لمشروع يقطع الطريق أمام النقابة. ثم في مرحلة ثانية أقصى كل الصحفيين الذين يعملون مع مؤسسات إعلامية أجنبية في خطوة واضحة المقصد لإبعاد أشخاص بعينهم وتهميشهم مما دفع باللجنة التحضيرية للمؤتمر إلى الانسحاب وبالتالي تعليق المؤتمر تضامنا مع زملائهم المقصيين واحتراما للأعراف النقابية التي سار عليها الإتحاد نفسه.

وبالفعل، نضجت الطبخة وشُرع في تنفيذها: تحويل الجمعية إلى نقابة. ففي سرعة البرق نادت الجمعية إلى اجتماع عام استثنائي في نزل فاخر لا أحد يعلم من تكفل بتمويله. وكان الحضور كبيرا رغم أن الأمور وقعت بشكل مستعجل وتحت ضغط تاريخ انعقاد مؤتمر النقابة. وقد استراب المتتبعون للأحداث من هذا الإنجاز الخارق واشتموا رائحة التآمر والانقلاب . وفعلا ، لم تكن القضية مجرد قضية رائحة فاحت بل تعلق الأمر بانقلاب في قلبه وقالبه تتحكم في مقاوده الأطراف الرسمية مستفيدة من تواطؤ البعض وخذلان البعض الآخر.

ولو لم يكن ذلك كذلك ، بم نفسر حضور هذا العدد الكبير لاجتماع متسرع ؟ ولماذا نُظم الاجتماع أربعا وعشرين ساعة فقط قبل انعقاد مؤتمر النقابة؟ وبم نفسر حضور البعض ممن لم يشاركوا ولو مرة يتيمة في نشاط من أنشطة الجمعية؟ وكيف نفهم حضور مستشار رسمي كبير رابط بالكواليس ليوجه عن قرب الأشغال ويؤثر في المسارات والتوجهات ؟ وبما نفسر إحجام الجهات المختصة بولاية تونس عن تسلم ملف تأسيس النقابة منذ ماي 2004 إلى اليوم في حين وفجأة وبقدرة قادر تفتح أبواب الفراديس أمام أصحاب المشروع الجديد فيحتفى بقبولهم حتى أن بعض المسؤولين يقال إنهم قطعوا إجازة عطلتهم وعادوا بسرعة إلى مواقع عملهم لتسلم الملف وعدم التفريط في حضور هذه اللحظة التاريخية المشهودة ؟

وهكذا فإن كل هذه المعطيات تجعل مشروع تحويل الجمعية إلى نقابة مشروعا تآمريا بامتياز حبكت خيوطه السلطة القائمة اعتمادا على أطراف داخل القطاع أو لها صلة ما به. وقد عودتنا السلطة بمثل هذا التعاطي التآمري مع القطاعات والمنظمات النازعة إلى الاستقلالية والحرية. فما بالنا بقطاع في منتهى الحساسية واعتبرته على الدوام حوزة خاصة إلى أن أفرغته و أوشك على الممات. مما حدا بالمنظمات العالمية ذات الاختصاص إلى تصنيفه في أسفل السلم العالمي لحرية الإعلام. وهذه الصورة الفضائحية لإعلامنا أحرجت الدولة ذاتها وجعلتها في مناسبات عديدة تبدي عدم رضاها عن هذا الواقع غير أنها تتناسى في كل مرة تسلطها وتلقي بالمسؤولية على شماعة الرقابة الذاتية التي يقوم بها الصحفيون على ألسنتهم وأقلامهم بأنفسهم. ومن المفارقة العجيبة أن السلطة ورغم وعيها بتخلف القطاع وعدم قدرته على مسايرة المقتضيات الجديدة وما أضحى يمثله لها من حرج خاصة على المستوى الخارجي لأنه أضر كثيرا بصورة تونس، فإنها غير مستعدة للتفريط فيه وتركه يخلق بنفسه ديناميكيته التطورية الخاصة في كنف الاستقلالية والمسؤولية وراحت تتدخل وتناور وتنسج الانقلابات مثلما فعلت في الماضي القريب مع جمعية القضاة.

وخطة الانقلاب على النقابة المستقلة تعيد إنتاج ممارسات العزل القسري والتنصيب والاستحواذ بيّن التاريخ أنها تموت بموت مسبباتها وظروفها لتظل لوثات تلطخ جبين فاعليها والمساهمين فيها بشكل أو بآخر. فماذا كان مصير المنصبين غير مهاوي التاريخ ؟ أين التيجاني عبيد وجماعته الذين نُصّبوا في مؤتمر فيفري 1978 والبلاد في حالة طوارئ وقيادات الإتحاد في السجن ؟ وأين شرفاء محمد مزالي الذين أزاحوا بالقوة القيادات النقابية الشرعية وافتكوا مقرات الإتحاد وهياكله؟ ألم يتحولوا إلى وصمة عار في تاريخنا الحديث؟ وهل سيكون مصير المنصبين في جمعية القضاة بأفضل حالا من مصير من سبقهم طال بهم زمن التنصيب أو قصر؟

وبالنسبة إلى الصحفيين الذين دقوا المسمار الأخير في نعش جمعية عريقة هي في عمر الأنبياء ،فعوض أن يلتفوا على النقابة لماذا لم يسعوا إلى تطوير الجمعية وتحسين أدائهم وتكريس استقلاليتهم ؟ فما الضير في أن ينشط هيكلان متوازيان داخل القطاع : الأول جمعية ودادية بمهامها الاجتماعية والإنسانية والثاني نقابة مهنية تدافع عن مصالح منخر طيها المادية والمعنوية ، لو لم تكن لديهم نوايا في مزيد المساعدة على تدجين القطاع؟ سيقولون إن مطلب تحويل الجمعية إلى نقابة هو مطلب قديم . فعلا، هو مطلب قديم . وما الذي كان يمنعهم من دعم النقابة منذ 2004 وتتواصل الجمعية في نشاطها ؟ اعتقد أن هذا الخيار كان يمكن أن يكون لولا رغبة البعض في محاربة الاستقلالية وجرجرة هياكل القطاع إلى التبعية. سيقولون أيضا إن نقابتنا – بعد أن كانت جمعيتنا- ستكون مستقلة وانتظروا الأيام لتروا ذلك بأعينكم ولا تحاكمونا بالنوايا ولا ترجموا الغيب. هذا هو مربط الفرس ولا شيء سواه . هذه النقابة لا تتوفر لها حاليا مقومات الاستقلالية. وأجزم أنها لن تتوفر في لاحق الأيام . فإذا كانت البدايات على ما هو واضح للعيان فكيف ستكون النهايات؟ لا أشك البتة في أن هناك من أصحاب الضمائر من سيكافحون من أجل الاستقلالية بأبسط دليل تلك الأصوات التي خرجت على السرب أثناء الاجتماع الاستثنائي وبينت أن الصحفيين ليسوا قطيعا ويرفضون أن تكون الجمعية العصا الغليظة التي تستعملها السلطة لضرب زملائهم في النقابة .

بكلمة، هؤلاء الذين يسعون إلى تغطية عين الشمس بالغربال لن ينفعهم اللف والدوران والتعامي عن الحقيقة الساطعة. وسيأتي يوم يقفون فيه هم بأنفسهم على أنهم لم يحاربوا فقط مشروعا نقابيا استقلاليا جديا وعلى أنهم لم يخضعوا فقط القطاع لمزيد كلاكل الهيمنة والتسلط ، إنما كبلوا أنفسهم في النهاية لأن إعلاما مكبلا يقتل أصحابه في المقام الأول. وهذه كلها خطايا إذا ذكرت ذكرهم معها التاريخ بسوء.....بل بكل السوء!

الحبيب الحمدوني


mouyn
عضو بارز
عضو بارز

عدد الرسائل : 42
العمر : 58
تاريخ التسجيل : 19/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى