في الماركسية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
في الماركسية
خواطر في الماركسية
تشهد السنوات الاخيرة عودة الى ماركس وكتاباته، باعتباره المفكر الاهم الذي لا يمكن تجاوزه في اية محاولة لفهم الرأسمالية كمدخل لمناهضتها. وتأتي عودة الاهتمام به هذه بعد نحو عقد من محاولات وضعه على رف التاريخ، ليتم نسيانه مع هيمنة ايديولوجيا " نهاية التاريخ" و " أبدية الرأـسمالية". و بعضها الأخر حاول،في أحسن الاحوال، تعليب افكاره في دراسات أكاديمية وجامعية تنزع عن ماركس ونظريته جوهرها أي كونها نظرية الممارسة (البراكسيس).
لعل هذه العودة للاهتمام بالماركسية يمكن تفسيرها بحالة استمرار الفوضى العالمية (او العولمية) الاقتصادية والسياسية للنظام الرأسمالي في بدايات القرن الحادي والعشرين. فقد نشرت صحيفة الفايننشال تايمز في 25 أذار/مارس 1998 مقالاَ يؤكد ان البيان الشيوعي "لماركس وانجلز وصف وضعاَ للاقتصاد العالمي يشبه ذلك القائم عام 1998 اكثر منه ذلك في عصرهما عام 1848
ترتبط عودة ماركس والماركسية بقوة، من جهة، بانكشاف آكذوبة "النظام العالمي الجديد" و " الشرق الاوسط الكبير" على حقيقتهما مع اندلاع الحروب الامبريالية والمذابح الجماعية في منطقتنا وفي البلقان وافغانستان والصومال ورواندا وفلسطين ولبنان و....، وفشل ما سمي "بمعجزة" اقتصادات النمور الاسيوية، و افلاس الارجنتين التي كانت تسمى بالتلميذ النجيب لليبرالية المتوحشة. و من جهة اخرى، باندلاع حركات جماهيرية واسعة وعالمية، كحركة مناهضة العولمة الرآسمالية، وحركة مناهضة الحروب الامبريالية، والاضرابات الواسعة في دول اوربا المتقدمة كفرنسا وغيرها، والانتفاضات الجماهيرية في الارجنتين واندونيسيا..الخ، وانتصارات اليسار في امريكا اللاتينية.
تناقض هذه الوقائع تماماَ الصورة المثالية التي يسعى دعاة الرأسمالية وايديولوجيا الليبرالية الى طرحها. فلم تقدم الرأسمالية ولا الليبرالية لا سلاماَ ولا رفاهاَ. بل يقدمان حروباَ واضطهاداَ واستغلالا وفوضى عالمية لا مثيل لها.
في الوقت نفسه، لا تعني عودة ماركس، في كل الكتابات المنتشرة هذه الايام، عودة متكاملة لأعماله. فهناك من يركز ويعترف بدقة تحليل ماركس للرأسمالية وتناقضاتها، وهنالك قراءات أخرى،اكاديمية او شبه اكاديمية، ميته " تفقد النص روحه" حول الديالكتيك، تعزل بعض الافكار التي طرحها ماركس قبل ان تحنطها.
لكن ما تفتقر له اغلب هذه الكتابات هو الاشارة الى القناعة الراسخة والواضحة لدى ماركس بالكمون الثوري والتغييري الاساسي للطبقة العاملة.
واذ تشكل هذه الفكرة حقاَ حجر الزاوية في فكر ماركس وتحليله للرأسمالية، فانها تمثل بلا شك العلامة الفارقة للماركسية عن سواها من النظريات الاشتراكية للعديد من المفكرين قبل ماركس. لأن مضمون الفكر الماركسي يقوم على مقولة " ان التحرر الذاتي للطبقة العاملة والمأجورين هو وحده الذي بأمكانه ان يقدم بديلاَ عن الرآسمالية"، لأن حركة الطبقة العاملة، وفق ما ورد في البيان الشيوعي هي " الوعي الذاتي والحركة المستقلة للغالبية الغظمى من الناس في مصلحة غالبية الناس.
مثلما لا تعني هذه العودة الى ماركس بالضرورة عودة الى التراث الماركسي الثوري. اذ يصعب، مثلاَ، فهم التطور الراهن للرأسمالية وعولمتها، واوضاع " دول العالم الثالث" والنزعات القومية، والانتشار الواسع للاصلاحية واسبابها وجذورها، وتحليل الامبريالية اليوم وغيرها من القضايا، دون ان يمتلك ماركسيو اليوم وعياَ باعمال مفكرين ماركسيين كبار مثل لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ وغرامشي واخرين، بالرغم من تمايزاتهم، ولكن باعتبارهم مكونات لكل موحد هو التراث الماركسي الثوري.
الجيل الشاب والجديد ذو المزاج الراديكالي، ما يزال ينفر من بعض كتابات مثقفي الجيل السابق لعام 1986، التي تتميز –كتاباتهم- بالطابع الاكاديمي او المعقد او المحافظ،او بكل هذه المساوئ معاَ.
هكذا جيل شاب كان في السابق يجد، احياناَ،، ملاذا له في الاحزاب الشيوعية والاصلاحية، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانظمة اوربا الشرقية، وزيادة ضعف نفوذ هذه الاحزاب او تفككها والتي يسود ما تبقى منها تشوش فكري وعملي واضحين. فان هذا الجيل الشاب الراديكالي انما هواليوم بحاجة الى ان يلتحم بعلاقة حميمة مع الفكر الماركسي الثوري ومع نضالات المأجورين والمضطهدين، لكي لا ينتهي به الحال الى مجرد خوض تجربة ثقافية او فكرية عابرة دون أدنى اثر اجتماعي يذكر لها.
وعلى أرضية الاهتمام بماركس والماركسية حصلت، وما تزال تحصل، تجارب عديدة في العالم لاعادة تكوين َمجموعات يسارية او ماركسية او حتى تجمعات يسارية اوسع، لكن فشل اغلبها ان كان في مسعاها على صعيد تغيير الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية اوداخل الاحزاب الشيوعية اوفي تجارب انشاء احزاب "من طراز جديد"، ادى الى تخلى الكثيرين من الناشطين فيها حتى عن فكرة "الاشتراكية" و"دور الطبقة العاملة" لصالح مفاهيم عائمة عن "الديمقراطية". او بقي البعض ممن يجتر مقولات ستالينية او قومية-يسارية محنطة.
ما يطرح نفسه وبالحاح في الوقت الراهن، وهو ما يبرز من خلال النضالات والتجارب العالمية، هو حاجة النشطاء والمناضلين الى "شئ ما" يتجاوز اسلوب مجرد "لم شمل مجموعة من الافراد" الى "شئ ما اخر" يقدم لهؤلاء النشطاء والمناضلين رؤية استراتيجية ونظرية وتربوية، ويكون اطاراَ سياسياَ مفتوحاَ للافراد، وباعتباره كذلك يسعى الى تجاوز الهويات الفردية من خلال دعمه وبنائه للنضالات. هذا الاطار السياسي (الحزب) هو ضرورة من اجل الالتحام بالحركات والنضالات اليومية لجماهير العمال والمأجورين والمضطهدين، بأفق تغيير المجتمع. لذلك فان الفكر الماركسي الثوري، ليس ضرورياَ لفهم العالم والتاريخ البشري فحسب، بل هو ايضاَ "مرشد للعمل". فالنشاط العملي السياسي هو الذي يعطي الحياة للنظرية، وبدونه لا قيمة لاية نظرية مهما كانت. وتطمح هذه المقالة للاندراج في هذا السياق.
هل افل عصر الثورات؟
أدت ثورات 1989 الى انهاء عصر، اشاعت خلاله الاحزاب الشيوعية-الستالينية- عالمياَ مقولة ان حركات الطبقة العاملة لا يمكنها القيام بالثورة الاشتراكية حتى يتم انجاز وتحقيق مهام الثورة الديمقراطية. بالرغم من ذلك ما تزال تتردد مثل هذه الاطروحات بالرغم من غياب البنى التي كانت تدعو لها سابقاَ. وللمفارقة التاريخية فقد حصل الشئ نفسه بعد ثورات 1848 وثورة 1905. سنتناول لاحقاَ وبايجاز بعض الدروس الاساسية لسلسلة من الثورات.
تتضمن مقدمة كتاب ماركس" نقد الاقتصاد السياسي" المقولة الاساسية التالية : " لاتزول تشكيلة اجتماعية اطلاقاَ الا بعد ان تنمو كل القوى المنتجة التي بامكانها ان تستوعبها باقصى مايمكن، ولا يمكن لعلاقات انتاج جديدة وارقى ان تحل محلها قبل ان تتوفر شروط الوجود المادية لهذه العلاقات ضمن المجتمع نفسه". هذه المقولة تحدد الحقل السياسي، بمعنى انه صحيح ان البشر يصنعون تاريخهم التي تشكل الثورات قاطراته، لكمهم يصنعونه ضمن شروط محددة، لا يمكن تجاهلها. بهذا المعنى كانت الثورة الفرنسية عام 1789 اخر الثورات البرجوازية (الاجتماعية)، لانها اجهزت على الاقطاعية سياسيا واجتماعيا، واحلت محلها نمط حكم جديد ونمط اجتماعي –اقتصادي جديد ايضاَ. بينما لم تكن ثورات 1848، التي شهدت بروز البروليتاريا كطبقة نشطة وفاعلة، وما بعدها ثورات برجوازية بالمعنى السابق (بمعنى ثورات اجتماعية) بل كانت ثورات "ديمقراطية"، شهدت اشكال عديدة من الصفقات والتسويات بين الطبقات المالكة (البرجوازية والاقطاعية..) على حساب الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين. لقد فقدت منذئذ البرجوازية روحها الثورية.
في هذا الوضع (1848) لبرجوازية " يقف وعيها في تعارض مع الشروط الموضوعية لبسط سيطرتها " وفق تحليل تروتسكي في "نتائج وتوقعات"، وطبقة عاملة لم تتوفر بعض شروط انتصارها ، فكما وصفها انجلز لاحقاَ في كتابه " الصراع الطبقي في فرنسا" ان هذه الاحداث " كشفت بوضوح ان حالة التطور الاقتصادي في القارة الاوربية لم تكن بعد ناضجة من اجل الغاء الانتاج الرأسمالي". وبالرغم من ذلك فقد رأى ماركس ان ثورة برجوازية في المانيا تحققها البروليتاريا بالتحالف مع البرجوازية الصغيرة يمكن ان تنتقل الى ثورة بروليتارية بشرط ان تخلق البروليتاريا نوع من ازدواجية السلطة تمنع البرجوازية من سحقها بمجرد وصولها الى السلطة وحدد ماركس وجهة نظره هذه في خطابه الذي وجهه الى العصبة الشيوعية في نيسان/ابريل 1850 " عليهم (العمال) ان يبذلوا اقصى جهدهم لاحراز النصر الاكيد عبر توعية انفسهم على مصالحهم الطبقية، وتبنيهم باسرع وقت ممكن لوقف حزبي مستقل، وبرفضهم ان تحرفهم العبارات الخبيثة التي يرددها ديمقراطيو البرجوازية الصغيرة ولو للحظة واحدة، عن تنظيم حزب البروليتاريا بشكل مستقل. يجب ان يكون شعار نضالهم : الثورة الدائمة".
حول الثورات البرجوازية الكلاسيكية
يسمح تاريخ الثورات البرجوازية الكبرى (القرنين 17 و 18) بالقاء الضوء على سمتين اساسيتين للعلاقة الحديثة التي تربط مابين الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية.
السمة الاولى، هي دينامية التجذير والراديكالية التي تفعل فعلها في القلب من كل الثورات. فمن المعروف، في كل هذه الثورات، أن أولئك الذين يصنعونها لا يدخلون الصراع والمعمعة بوعي يقوم بالضرورة على فكرة واضحة هي الاطاحة بالنظام القائم. ولكن الازمات الداخلية المتكررة للسيرورة الثورة هي التي يمكنها ان تضعهم وجهاَ لوجه أمام هذه الضرورة. وتشهد سيرورة الاستقطاب هذه انتقال العديد من الشخصيات، بل والعديد من المنظمات السياسية، وبشكل مأساوي من يسار الثورة الى يمينها، او الانتقال من المعسكر الثوري الى المعسكر المعادي للثورة.
ودينامية التجذر والراديكالية هذه شهدتها الثورات البروليتارية مثلما شهدتها الثورات البرجوازية.
السمة الثانية، وهي السمة الاكثر وضوحاَ التي تفرق بين هذين النوعين من الثورات. انها الاختلاف في الشروط الاقتصادية-الاجتماعية التي تميز كلاَ منها.
فالثورة البرجوازية هي التي تقوم في مواجهة بنى اجتماعية ما قبل رأسمالية. بينما الثورة البروليتارية انما تقوم في مواجهة البنى الرأسمالية (الصناعية المتقدمة).
هذا الاطار الموضوعي للشروط الاقتصادية الاجتماعية يحدد بصرامة تخوم السيرورة الثورية. وهو الذي يضع حداَ لا يمكن القفز فوقه اوتجاوزه حتى لأكثر البرامج الثورية جذرية.
بما يخص السمة الاولى، توضح الثورتين البرجوازيتين الفرنسية والانكليزية ان تحالف الجناح الديمقراطي البرجوازي الاكثر جذرية فيها مع الجناح الجذري الشعبي للثورة ( مثل اللامتسرولون) انما كان بالنسبة للجناح الديمقراطي البرجوازي هو نوع من التحالف مع الشيطان. وسرعان ما استدار الاخير لضرب الجناح الراديكالي الشعبي للثورة، حيث قضى روبسبيير على اللامتسرولين وكرومويل على الجناح الراديكالي للثورة الانجليزية. ونتيجة هذا السلوك كانت متشابهة في كلتا الثورتين، حيث ان الحكومة الثورية، بفقدانها لسندها الراديكالي، انما تحولت الى فريسة سهلة لاعدائها اليمينيين، وانتصرت الثورة المضادة.
اما فيما يخص السمة الثانية، فاننا نلحظ ان موقف ماركس وانجلز تطور مع دينامية الثورات. اذ كان موقفهما في بداية الثورة (1848) يقوم على اساس ضرورة "حث" البرجوازية من قبل قاعدة يسارية مستقلة والقيام بتنظيم الطبقة المستغلة باستقلال عن البرجوازية، بهدف الضرب المشترك علىالنظام القديم. والاعداد لتحالف ديمقراطي يشمل البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة والفلاحين يكون قادراَ على قيادة الثورة في حال تراخت البرجوازية واظهرت علامات "برودة في قدميها".
تشهد السنوات الاخيرة عودة الى ماركس وكتاباته، باعتباره المفكر الاهم الذي لا يمكن تجاوزه في اية محاولة لفهم الرأسمالية كمدخل لمناهضتها. وتأتي عودة الاهتمام به هذه بعد نحو عقد من محاولات وضعه على رف التاريخ، ليتم نسيانه مع هيمنة ايديولوجيا " نهاية التاريخ" و " أبدية الرأـسمالية". و بعضها الأخر حاول،في أحسن الاحوال، تعليب افكاره في دراسات أكاديمية وجامعية تنزع عن ماركس ونظريته جوهرها أي كونها نظرية الممارسة (البراكسيس).
لعل هذه العودة للاهتمام بالماركسية يمكن تفسيرها بحالة استمرار الفوضى العالمية (او العولمية) الاقتصادية والسياسية للنظام الرأسمالي في بدايات القرن الحادي والعشرين. فقد نشرت صحيفة الفايننشال تايمز في 25 أذار/مارس 1998 مقالاَ يؤكد ان البيان الشيوعي "لماركس وانجلز وصف وضعاَ للاقتصاد العالمي يشبه ذلك القائم عام 1998 اكثر منه ذلك في عصرهما عام 1848
ترتبط عودة ماركس والماركسية بقوة، من جهة، بانكشاف آكذوبة "النظام العالمي الجديد" و " الشرق الاوسط الكبير" على حقيقتهما مع اندلاع الحروب الامبريالية والمذابح الجماعية في منطقتنا وفي البلقان وافغانستان والصومال ورواندا وفلسطين ولبنان و....، وفشل ما سمي "بمعجزة" اقتصادات النمور الاسيوية، و افلاس الارجنتين التي كانت تسمى بالتلميذ النجيب لليبرالية المتوحشة. و من جهة اخرى، باندلاع حركات جماهيرية واسعة وعالمية، كحركة مناهضة العولمة الرآسمالية، وحركة مناهضة الحروب الامبريالية، والاضرابات الواسعة في دول اوربا المتقدمة كفرنسا وغيرها، والانتفاضات الجماهيرية في الارجنتين واندونيسيا..الخ، وانتصارات اليسار في امريكا اللاتينية.
تناقض هذه الوقائع تماماَ الصورة المثالية التي يسعى دعاة الرأسمالية وايديولوجيا الليبرالية الى طرحها. فلم تقدم الرأسمالية ولا الليبرالية لا سلاماَ ولا رفاهاَ. بل يقدمان حروباَ واضطهاداَ واستغلالا وفوضى عالمية لا مثيل لها.
في الوقت نفسه، لا تعني عودة ماركس، في كل الكتابات المنتشرة هذه الايام، عودة متكاملة لأعماله. فهناك من يركز ويعترف بدقة تحليل ماركس للرأسمالية وتناقضاتها، وهنالك قراءات أخرى،اكاديمية او شبه اكاديمية، ميته " تفقد النص روحه" حول الديالكتيك، تعزل بعض الافكار التي طرحها ماركس قبل ان تحنطها.
لكن ما تفتقر له اغلب هذه الكتابات هو الاشارة الى القناعة الراسخة والواضحة لدى ماركس بالكمون الثوري والتغييري الاساسي للطبقة العاملة.
واذ تشكل هذه الفكرة حقاَ حجر الزاوية في فكر ماركس وتحليله للرأسمالية، فانها تمثل بلا شك العلامة الفارقة للماركسية عن سواها من النظريات الاشتراكية للعديد من المفكرين قبل ماركس. لأن مضمون الفكر الماركسي يقوم على مقولة " ان التحرر الذاتي للطبقة العاملة والمأجورين هو وحده الذي بأمكانه ان يقدم بديلاَ عن الرآسمالية"، لأن حركة الطبقة العاملة، وفق ما ورد في البيان الشيوعي هي " الوعي الذاتي والحركة المستقلة للغالبية الغظمى من الناس في مصلحة غالبية الناس.
مثلما لا تعني هذه العودة الى ماركس بالضرورة عودة الى التراث الماركسي الثوري. اذ يصعب، مثلاَ، فهم التطور الراهن للرأسمالية وعولمتها، واوضاع " دول العالم الثالث" والنزعات القومية، والانتشار الواسع للاصلاحية واسبابها وجذورها، وتحليل الامبريالية اليوم وغيرها من القضايا، دون ان يمتلك ماركسيو اليوم وعياَ باعمال مفكرين ماركسيين كبار مثل لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ وغرامشي واخرين، بالرغم من تمايزاتهم، ولكن باعتبارهم مكونات لكل موحد هو التراث الماركسي الثوري.
الجيل الشاب والجديد ذو المزاج الراديكالي، ما يزال ينفر من بعض كتابات مثقفي الجيل السابق لعام 1986، التي تتميز –كتاباتهم- بالطابع الاكاديمي او المعقد او المحافظ،او بكل هذه المساوئ معاَ.
هكذا جيل شاب كان في السابق يجد، احياناَ،، ملاذا له في الاحزاب الشيوعية والاصلاحية، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانظمة اوربا الشرقية، وزيادة ضعف نفوذ هذه الاحزاب او تفككها والتي يسود ما تبقى منها تشوش فكري وعملي واضحين. فان هذا الجيل الشاب الراديكالي انما هواليوم بحاجة الى ان يلتحم بعلاقة حميمة مع الفكر الماركسي الثوري ومع نضالات المأجورين والمضطهدين، لكي لا ينتهي به الحال الى مجرد خوض تجربة ثقافية او فكرية عابرة دون أدنى اثر اجتماعي يذكر لها.
وعلى أرضية الاهتمام بماركس والماركسية حصلت، وما تزال تحصل، تجارب عديدة في العالم لاعادة تكوين َمجموعات يسارية او ماركسية او حتى تجمعات يسارية اوسع، لكن فشل اغلبها ان كان في مسعاها على صعيد تغيير الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية اوداخل الاحزاب الشيوعية اوفي تجارب انشاء احزاب "من طراز جديد"، ادى الى تخلى الكثيرين من الناشطين فيها حتى عن فكرة "الاشتراكية" و"دور الطبقة العاملة" لصالح مفاهيم عائمة عن "الديمقراطية". او بقي البعض ممن يجتر مقولات ستالينية او قومية-يسارية محنطة.
ما يطرح نفسه وبالحاح في الوقت الراهن، وهو ما يبرز من خلال النضالات والتجارب العالمية، هو حاجة النشطاء والمناضلين الى "شئ ما" يتجاوز اسلوب مجرد "لم شمل مجموعة من الافراد" الى "شئ ما اخر" يقدم لهؤلاء النشطاء والمناضلين رؤية استراتيجية ونظرية وتربوية، ويكون اطاراَ سياسياَ مفتوحاَ للافراد، وباعتباره كذلك يسعى الى تجاوز الهويات الفردية من خلال دعمه وبنائه للنضالات. هذا الاطار السياسي (الحزب) هو ضرورة من اجل الالتحام بالحركات والنضالات اليومية لجماهير العمال والمأجورين والمضطهدين، بأفق تغيير المجتمع. لذلك فان الفكر الماركسي الثوري، ليس ضرورياَ لفهم العالم والتاريخ البشري فحسب، بل هو ايضاَ "مرشد للعمل". فالنشاط العملي السياسي هو الذي يعطي الحياة للنظرية، وبدونه لا قيمة لاية نظرية مهما كانت. وتطمح هذه المقالة للاندراج في هذا السياق.
هل افل عصر الثورات؟
أدت ثورات 1989 الى انهاء عصر، اشاعت خلاله الاحزاب الشيوعية-الستالينية- عالمياَ مقولة ان حركات الطبقة العاملة لا يمكنها القيام بالثورة الاشتراكية حتى يتم انجاز وتحقيق مهام الثورة الديمقراطية. بالرغم من ذلك ما تزال تتردد مثل هذه الاطروحات بالرغم من غياب البنى التي كانت تدعو لها سابقاَ. وللمفارقة التاريخية فقد حصل الشئ نفسه بعد ثورات 1848 وثورة 1905. سنتناول لاحقاَ وبايجاز بعض الدروس الاساسية لسلسلة من الثورات.
تتضمن مقدمة كتاب ماركس" نقد الاقتصاد السياسي" المقولة الاساسية التالية : " لاتزول تشكيلة اجتماعية اطلاقاَ الا بعد ان تنمو كل القوى المنتجة التي بامكانها ان تستوعبها باقصى مايمكن، ولا يمكن لعلاقات انتاج جديدة وارقى ان تحل محلها قبل ان تتوفر شروط الوجود المادية لهذه العلاقات ضمن المجتمع نفسه". هذه المقولة تحدد الحقل السياسي، بمعنى انه صحيح ان البشر يصنعون تاريخهم التي تشكل الثورات قاطراته، لكمهم يصنعونه ضمن شروط محددة، لا يمكن تجاهلها. بهذا المعنى كانت الثورة الفرنسية عام 1789 اخر الثورات البرجوازية (الاجتماعية)، لانها اجهزت على الاقطاعية سياسيا واجتماعيا، واحلت محلها نمط حكم جديد ونمط اجتماعي –اقتصادي جديد ايضاَ. بينما لم تكن ثورات 1848، التي شهدت بروز البروليتاريا كطبقة نشطة وفاعلة، وما بعدها ثورات برجوازية بالمعنى السابق (بمعنى ثورات اجتماعية) بل كانت ثورات "ديمقراطية"، شهدت اشكال عديدة من الصفقات والتسويات بين الطبقات المالكة (البرجوازية والاقطاعية..) على حساب الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين. لقد فقدت منذئذ البرجوازية روحها الثورية.
في هذا الوضع (1848) لبرجوازية " يقف وعيها في تعارض مع الشروط الموضوعية لبسط سيطرتها " وفق تحليل تروتسكي في "نتائج وتوقعات"، وطبقة عاملة لم تتوفر بعض شروط انتصارها ، فكما وصفها انجلز لاحقاَ في كتابه " الصراع الطبقي في فرنسا" ان هذه الاحداث " كشفت بوضوح ان حالة التطور الاقتصادي في القارة الاوربية لم تكن بعد ناضجة من اجل الغاء الانتاج الرأسمالي". وبالرغم من ذلك فقد رأى ماركس ان ثورة برجوازية في المانيا تحققها البروليتاريا بالتحالف مع البرجوازية الصغيرة يمكن ان تنتقل الى ثورة بروليتارية بشرط ان تخلق البروليتاريا نوع من ازدواجية السلطة تمنع البرجوازية من سحقها بمجرد وصولها الى السلطة وحدد ماركس وجهة نظره هذه في خطابه الذي وجهه الى العصبة الشيوعية في نيسان/ابريل 1850 " عليهم (العمال) ان يبذلوا اقصى جهدهم لاحراز النصر الاكيد عبر توعية انفسهم على مصالحهم الطبقية، وتبنيهم باسرع وقت ممكن لوقف حزبي مستقل، وبرفضهم ان تحرفهم العبارات الخبيثة التي يرددها ديمقراطيو البرجوازية الصغيرة ولو للحظة واحدة، عن تنظيم حزب البروليتاريا بشكل مستقل. يجب ان يكون شعار نضالهم : الثورة الدائمة".
حول الثورات البرجوازية الكلاسيكية
يسمح تاريخ الثورات البرجوازية الكبرى (القرنين 17 و 18) بالقاء الضوء على سمتين اساسيتين للعلاقة الحديثة التي تربط مابين الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية.
السمة الاولى، هي دينامية التجذير والراديكالية التي تفعل فعلها في القلب من كل الثورات. فمن المعروف، في كل هذه الثورات، أن أولئك الذين يصنعونها لا يدخلون الصراع والمعمعة بوعي يقوم بالضرورة على فكرة واضحة هي الاطاحة بالنظام القائم. ولكن الازمات الداخلية المتكررة للسيرورة الثورة هي التي يمكنها ان تضعهم وجهاَ لوجه أمام هذه الضرورة. وتشهد سيرورة الاستقطاب هذه انتقال العديد من الشخصيات، بل والعديد من المنظمات السياسية، وبشكل مأساوي من يسار الثورة الى يمينها، او الانتقال من المعسكر الثوري الى المعسكر المعادي للثورة.
ودينامية التجذر والراديكالية هذه شهدتها الثورات البروليتارية مثلما شهدتها الثورات البرجوازية.
السمة الثانية، وهي السمة الاكثر وضوحاَ التي تفرق بين هذين النوعين من الثورات. انها الاختلاف في الشروط الاقتصادية-الاجتماعية التي تميز كلاَ منها.
فالثورة البرجوازية هي التي تقوم في مواجهة بنى اجتماعية ما قبل رأسمالية. بينما الثورة البروليتارية انما تقوم في مواجهة البنى الرأسمالية (الصناعية المتقدمة).
هذا الاطار الموضوعي للشروط الاقتصادية الاجتماعية يحدد بصرامة تخوم السيرورة الثورية. وهو الذي يضع حداَ لا يمكن القفز فوقه اوتجاوزه حتى لأكثر البرامج الثورية جذرية.
بما يخص السمة الاولى، توضح الثورتين البرجوازيتين الفرنسية والانكليزية ان تحالف الجناح الديمقراطي البرجوازي الاكثر جذرية فيها مع الجناح الجذري الشعبي للثورة ( مثل اللامتسرولون) انما كان بالنسبة للجناح الديمقراطي البرجوازي هو نوع من التحالف مع الشيطان. وسرعان ما استدار الاخير لضرب الجناح الراديكالي الشعبي للثورة، حيث قضى روبسبيير على اللامتسرولين وكرومويل على الجناح الراديكالي للثورة الانجليزية. ونتيجة هذا السلوك كانت متشابهة في كلتا الثورتين، حيث ان الحكومة الثورية، بفقدانها لسندها الراديكالي، انما تحولت الى فريسة سهلة لاعدائها اليمينيين، وانتصرت الثورة المضادة.
اما فيما يخص السمة الثانية، فاننا نلحظ ان موقف ماركس وانجلز تطور مع دينامية الثورات. اذ كان موقفهما في بداية الثورة (1848) يقوم على اساس ضرورة "حث" البرجوازية من قبل قاعدة يسارية مستقلة والقيام بتنظيم الطبقة المستغلة باستقلال عن البرجوازية، بهدف الضرب المشترك علىالنظام القديم. والاعداد لتحالف ديمقراطي يشمل البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة والفلاحين يكون قادراَ على قيادة الثورة في حال تراخت البرجوازية واظهرت علامات "برودة في قدميها".
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
في الماركسية 1
بيد ان موقف ماركس وانجلز تعدل وفق تطور ثورات 1848. فقد اظهرت الاشهر الثلاث الاولى للثورة الالمانية أن البرجوازية غير حازمة، ويجب دفعها الى موقف ونشاط حاسم. لكن مع تطور الثورة، تحولت البرجوازية الى موقف مشلول ومائع. لتصل في "ايام حزيران /يونية" الى حالة واضحة تقف فيها كل الطبقات المستغلة بما فيها البرجوازية وغالبية ممثليها "الديمقراطيين" في صف الرجعية. عندئذ مال ماركس وانجلز الى تبني موقف جديد وهو ان الطبقات المستغلة أي العمال والفلاحون هم وحدهم القادرون على دفع الثورة الى الامام.
لقد اوصل خداع البرجوازية الكبير بماركس وانجلز الى موقف استراتيجي ينص على " ان النشاط المستقل والنقدي للطبقة العاملة، ان كان على صعيد القضايا التكتيكية ام المسائل النظرية تجاه البرجوازيين الديمقراطيين هو امر جوهري".
لقد دفع تطور الثورة الى تفاقم الانقسامات السياسية داخل المعسكر الثوري على اساس الفروقات الطبقية. هذه الاستقطابات دفعت ماركس الى التركيز على اهمية التنطيم السياسي المستقل للطبقة العاملة، مؤكداَ انه بمقدار ما يزداد الاخير قوة بقدر ما يمكن دفع الديمقراطيين الى اليسار. وطمح ماركس الى ان تزداد قوة الحركة العمالية لدرجة تسمح لها بالثورة ضد الديمقراطيين الليبراليين.
وتبلورت قناعته بأن هذه الثورة يجب ان تكون ثورة اشتراكية. هذا الافق دفع بماركس الى التوصل الى استنتاج بان جهاز الدولة ليس جهازاَ محايداَ، بامكانه ان ينتقل من يدي طبقة الى ايدي طبقة اخرى. بل على الطبقة العاملة ان تعمل على بناء جهاز دولتها الخاص بموازاة وبمواجهة جهاز الطبقات المالكة. وانه سوف تنبثق في الصراع ضد النظام القديم اشكال تنظيمية جديدة مثل "لجان الاضراب" و"هيئات مندوبي العمال المحليين" و"الاجتماعات الجماهيرية". وفي ظروف النضال الملائمة سيتضمن هذا تشكيل ميليشيا عمالية مسلحة بما يمكن ان يتوفر لها. وقد اطلق ماركس على "منظمات مناهضة الدولة" اسم "المجالس الثورية المحلية" او الحكومات العمالية الثورية" التي رأى انها لا يمكن ان تتعايش طويلاَ مع الدولة البرجوازية دون حسم من هو الطرف المنتصر : تحطيم العمال للدولة البرجوازية، او سحق الدولة لهيئات السلطة العمالية.
وهكذا نرى، وفق ما سبق، ان افق الثورة الدائمة لم يكن اول من طرحه هو تروتسكي عام 1906 بل كان ماركس عام 1850. هذه المقولة ـ أي الثورة الدائمةـ تعني وجوب طرح افق استراتيجي من أجل استقلالية التنظيم الاشتراكي للطبقة العاملة، ليس فقط منذ بداية الثورة فحسب بل ومنذ المرحلة التي يدعم فيها الحزب العمالي المطالب الديمقراطية، بهدف خلق ازدواجية السلطة ومن ثم الثورة الاشتراكية.
مع انتهاء ثورات 1848 انتهت بشكل نهائي حقبة كانت فيها البرجوازية قادرة وراغبة على الفعل بصفتها طبقة ثورية.
لم تحصل بعد ذلك التاريخ ـ وفي كل البلدان ـ اية محاولة للبرجوازية لقيادة جماهير الشعب، من خلال ثورة مفتوحة، ضد النظام القديم. هذا لا يعني أن البرجوازية أصبحت الان مباشرة هي السلطة السياسية الحقيقية، حتى في اكثر البلدان تقدماَ، بل يقوم بهذا العمل،اغلب الاحيان، موظفون و سياسيون وخبراء من الشرائح الوسطى والعليا.. يدافعون ويتفرغون لخدمة مصالحهها العامة. كما ان غياب الارادة الثورية للبرجوازية لا يعني ان الانتفاضات الشعبية ضد النظام القديم اصبحت شيئاَ من الماضي.
دروس ثورات 1848
قبل اندلاع ثورات 1848 كان ماركس وانجلز واضحان حول نقطتين. الاولى، ان الثورة القادمة ستكون ثورة برجوازية، أي انها ستقيم دولة رأسمالية سيكون شكلها السياسي، في افضل الحالات، ديمقراطي وجمهوري.
الثانية، انه يجب العمل على دفع البرجوازية نحو مواجهة حاسمة ضد النظام القديم. مع خشية ان تقوم الثورة البرجوازية، بسبب القوة المتزايدة للطبقة العاملة، بوضعها جانباَ هي والدولة الاقطاعية.
مع اندلاع الثورة رأى ماركس وانجلز ان الثورة في المانيا ستحصل "في افضل الشروط المتقدمة للحضارة الاوربية ومع البروليتاريا الاكثر تطوراَ مما كانت عليه في انجلترا القرن 17 او فرنسا القرن 18" ولهذا السبب فانها "ستكون المدخل لثورة مباشرة لاحقة هي الثورة البروليتارية".
وهكذا نجد في البيان الشيوعي الذي كتب قبل اندلاع الثورة انه ان كان على الطبقة العاملة " ان تناضل مع الرجوازية في كل مرة لتصرف فيها بطريقة ثورية" الا انه على الاشتراكيين " ان يطرحوا، وبالشكل الاكثر وضوحاَ، في صفوف الطبقة العاملة الوعي بالتناقض التناحري بين البرجوازية والبروليتاريا".
بالرغم من هزيمة ثورات 1848 الا ان نتائجها تحققت واختبرت خلال القرن التاسع عشر.
النتائج الاولى، استمرارية الانتفاضات الشعبية التي شهدت ازدياد تجلي الوعي الذاتي للطبقة العاملة على صعيدي النشاط والتظيم. وكان تتويجها في عام 1871 كومونة باريس التي ازدهرت خلالها، ولوهلة قصيرة، أول ثورة عمالية ناجحة.واضحت السلطة العمالية تطرح في كل الانتفاضات اللاحقة، وقد حددت روزا لوكسمبورغ الموقف الماركسي من النضالات الجماهيرية من اجل الاصلاحات بربطها دوما –عبر المناضلين الاشتراكيين- بافق الثورة البرليتارية " لانه بالرغم من تقليص برنامجنا ليقتصر على العمل من اجل الاصلاحات الاجتماعية والعمل النقابي المعتاد، الا ان الهدف النهائي للحركة لا يلقى به جانبا، لان كل خطوة الى الامام انما تؤدي الى ابعد من الهدف المباشر المعطى، ولان الهدف الاشتراكي يبقى قائما كوجهة في التقدم المفترض" ( لوكسمبورغ، اصلاح اجتماعي ام ثورة).
النتائج الثانية، هي استمرار محاولات البرجوازية ـ من خلال اصلاحات فوقيةـ في تطوير الاشكال السياسية للحكم والدولة بما يتوافق و الشروط الجديدة لتراكم رأس المال.
الثورة الروسية ودروسها
،ستالينية الثورة على مراحل
كان موقف لينين الاولي حول الثورة في روسيا،والذي عبر عنه بشكل واضح في كراسه "خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية"، هو ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في روسيا ليست متطورة بشكل كاف يسمح بان تكون الثورة القادمة في روسيا ثورة اشتراكية، وشرح في كتابه " تطور الرأسمالية في روسيا" الاليات الكلاسيكية لتطورها في روسيا. وهو موقف متراجع حتى عن مواقف ماركس وانجلز منذ عام 1850. واعتقد لينين في الوقت نفسه ان البرجوازية الروسية من الضعف الى درجة عاجزة فيها عن قيادة الثورة الديمقراطية، لذلك يقع على عاتق الطبقة العاملة ان تقود الثورة لاسقاط القيصرية واقامة جمهورية ديمقراطية. لكن موقف لينين اقترب كثيرا من موقف تروتسكي " في اطروحات نيسان" وهو الموقف القائل بانه من اجل ان تكون الثورة اشتراكية، وليس-في احسن الاحوال- مجرد اقتصاد راسمالي وجمهورية برلمانية، فمن الضروري ان تنتشر-أي الثورة- الى البلدان الصناعية المتقدمة. وحدد تروتسكي وجهة نظره في كتابه "نتائج وتوقعات " بان " البروليتاريا تنو وتتضاعف قوتها بنمو الرأسمالية، بهذا المعنى يكون تطور الرأسمالية هو تطور البروليتاريا في اتجاه تحقيق دكتاتوريتها. على ان توقيت انتقال الحكم الى ايدي الطبقة العاملة لا يعتمد بشكل مباشر على المستوى الذي بلغته قوى الانتاج، وانما على العلاقات في الصراع الطبقي وعلى الوضع العالمي، واخيرا على عدد من العوامل الذاتية كتقاليد الطبقة العاملة ومبادرتها واستعدادها للنضال.....ان التصور ان قيام دكتاتورية البروليتاريا يعتمد بطريقة ما على تطور البلد المعني وعلى موارده انما هو زعم من مزاعم المادية "الاقتصادية" التافهة ". وهذا التصور هو الاساس النظري الذي انشأت على اساسه الاممية الثالثة. مثلما دافع تروتسكي عن مبدأ ارتهان نجاح وانتصار ثورة اكتوبر بانتشارها العالمي.
لقداكتشف لينين عام 1917 ما سبق ان اكتشفه ماركس وانجلز في زمنهما، وهو انه حتى في روسيا المتأخرة فان على الطبقة العاملة ان تقوم مباشرة وفي نفس الوقت بحل قضايا الثورة الديمقراطية والاشتراكية. وانه ان وجد نوع من "المراحل" في تطور وعي الطبقة العاملة عام 1917 فان هذا لا علاقة له بالشروط الاقتصادية الموضوعية للثورة الاشتراكية، بل يتعلق بحقيقة ان العمال يبدأون المعركة بثقة بقياداتهم التقليدية التي تمزع الى تسويات مع النظام الرأسمالي. هذا قد يؤثر على انخراطهم في البداية لكنه لا يضع حداَ لمدى التزامهم تحت تأثير النضالات الثورية.
لكن الستالينية قطعت الرابط بين امكانية الثورة الاشتراكية في بلد من جهة وبين ضرورة النضال من اجل نشرها عالمياَ، من جهة اخرى.
فاشتراكية ستالين في بلد واحد انما ارتكزت على مقولة ان الدولة الروسية لوحدها بامكانها اقامة المجتمع الاشتراكي، وانتقدت تروتسكي "لاستخفافه بالفلاحين".
وبالتالي فان انموذج الثورة الذي نشرته الدعاية الستالينية في العالم الثالث هو انموذج الثورة على "مرحلتين". المرحلة الاولى هي الثورة الديمقراطية والتي يجب خلالها- حسب الايديولجيا الستالينية- ان تخضع الطبقة العاملة طموحاتها الاشتراكية الخاصة لمصلحة "تحالف واسع" يهدف الى انجاز الثورة الديمقراطية. وفقط بعد انجاز الثورة الديمقراطية يمكن رفع المطالب الاشتراكية.
هذا الطرح الستاليني كان يعني ان الثورة لم تعد بحاجة للطبقة العاملة العالمية من اجل تحقيق النصر( في عصر الامبريالية)، واصبحت الثورة الديمقراطية منذئذ قابلة للتحقيق عبر تحالف متعدد الطبقات للقوى التقدمية التي تعمل في بلد محدد فحسب. وهكذا اصبح مقبولاَ للاشتراكيين ان ينادوا بتحالف الطبقة العاملة مع "الاقسام التقدمية" للبرجوازية في الثورات القادمة.
لقد ادى هذا الطرح الستاليني الى كوارث في صين عام 1921 واسبانيا 1936 من خلال اخضاع ثورة الطبقة العاملة لصالح البرجوازيين القوميين في الصين او البرجوازيين البرلمانيين (الاحزاب الجمهورية)في اسبانيا. والنتيجة كانت ثورة مضادة ودكتاتورية في كلتا الحالتين.
هل التصنيع والتحديث ورأسمالية الدولة تعني الاشتراكية؟
لقد اوصل خداع البرجوازية الكبير بماركس وانجلز الى موقف استراتيجي ينص على " ان النشاط المستقل والنقدي للطبقة العاملة، ان كان على صعيد القضايا التكتيكية ام المسائل النظرية تجاه البرجوازيين الديمقراطيين هو امر جوهري".
لقد دفع تطور الثورة الى تفاقم الانقسامات السياسية داخل المعسكر الثوري على اساس الفروقات الطبقية. هذه الاستقطابات دفعت ماركس الى التركيز على اهمية التنطيم السياسي المستقل للطبقة العاملة، مؤكداَ انه بمقدار ما يزداد الاخير قوة بقدر ما يمكن دفع الديمقراطيين الى اليسار. وطمح ماركس الى ان تزداد قوة الحركة العمالية لدرجة تسمح لها بالثورة ضد الديمقراطيين الليبراليين.
وتبلورت قناعته بأن هذه الثورة يجب ان تكون ثورة اشتراكية. هذا الافق دفع بماركس الى التوصل الى استنتاج بان جهاز الدولة ليس جهازاَ محايداَ، بامكانه ان ينتقل من يدي طبقة الى ايدي طبقة اخرى. بل على الطبقة العاملة ان تعمل على بناء جهاز دولتها الخاص بموازاة وبمواجهة جهاز الطبقات المالكة. وانه سوف تنبثق في الصراع ضد النظام القديم اشكال تنظيمية جديدة مثل "لجان الاضراب" و"هيئات مندوبي العمال المحليين" و"الاجتماعات الجماهيرية". وفي ظروف النضال الملائمة سيتضمن هذا تشكيل ميليشيا عمالية مسلحة بما يمكن ان يتوفر لها. وقد اطلق ماركس على "منظمات مناهضة الدولة" اسم "المجالس الثورية المحلية" او الحكومات العمالية الثورية" التي رأى انها لا يمكن ان تتعايش طويلاَ مع الدولة البرجوازية دون حسم من هو الطرف المنتصر : تحطيم العمال للدولة البرجوازية، او سحق الدولة لهيئات السلطة العمالية.
وهكذا نرى، وفق ما سبق، ان افق الثورة الدائمة لم يكن اول من طرحه هو تروتسكي عام 1906 بل كان ماركس عام 1850. هذه المقولة ـ أي الثورة الدائمةـ تعني وجوب طرح افق استراتيجي من أجل استقلالية التنظيم الاشتراكي للطبقة العاملة، ليس فقط منذ بداية الثورة فحسب بل ومنذ المرحلة التي يدعم فيها الحزب العمالي المطالب الديمقراطية، بهدف خلق ازدواجية السلطة ومن ثم الثورة الاشتراكية.
مع انتهاء ثورات 1848 انتهت بشكل نهائي حقبة كانت فيها البرجوازية قادرة وراغبة على الفعل بصفتها طبقة ثورية.
لم تحصل بعد ذلك التاريخ ـ وفي كل البلدان ـ اية محاولة للبرجوازية لقيادة جماهير الشعب، من خلال ثورة مفتوحة، ضد النظام القديم. هذا لا يعني أن البرجوازية أصبحت الان مباشرة هي السلطة السياسية الحقيقية، حتى في اكثر البلدان تقدماَ، بل يقوم بهذا العمل،اغلب الاحيان، موظفون و سياسيون وخبراء من الشرائح الوسطى والعليا.. يدافعون ويتفرغون لخدمة مصالحهها العامة. كما ان غياب الارادة الثورية للبرجوازية لا يعني ان الانتفاضات الشعبية ضد النظام القديم اصبحت شيئاَ من الماضي.
دروس ثورات 1848
قبل اندلاع ثورات 1848 كان ماركس وانجلز واضحان حول نقطتين. الاولى، ان الثورة القادمة ستكون ثورة برجوازية، أي انها ستقيم دولة رأسمالية سيكون شكلها السياسي، في افضل الحالات، ديمقراطي وجمهوري.
الثانية، انه يجب العمل على دفع البرجوازية نحو مواجهة حاسمة ضد النظام القديم. مع خشية ان تقوم الثورة البرجوازية، بسبب القوة المتزايدة للطبقة العاملة، بوضعها جانباَ هي والدولة الاقطاعية.
مع اندلاع الثورة رأى ماركس وانجلز ان الثورة في المانيا ستحصل "في افضل الشروط المتقدمة للحضارة الاوربية ومع البروليتاريا الاكثر تطوراَ مما كانت عليه في انجلترا القرن 17 او فرنسا القرن 18" ولهذا السبب فانها "ستكون المدخل لثورة مباشرة لاحقة هي الثورة البروليتارية".
وهكذا نجد في البيان الشيوعي الذي كتب قبل اندلاع الثورة انه ان كان على الطبقة العاملة " ان تناضل مع الرجوازية في كل مرة لتصرف فيها بطريقة ثورية" الا انه على الاشتراكيين " ان يطرحوا، وبالشكل الاكثر وضوحاَ، في صفوف الطبقة العاملة الوعي بالتناقض التناحري بين البرجوازية والبروليتاريا".
بالرغم من هزيمة ثورات 1848 الا ان نتائجها تحققت واختبرت خلال القرن التاسع عشر.
النتائج الاولى، استمرارية الانتفاضات الشعبية التي شهدت ازدياد تجلي الوعي الذاتي للطبقة العاملة على صعيدي النشاط والتظيم. وكان تتويجها في عام 1871 كومونة باريس التي ازدهرت خلالها، ولوهلة قصيرة، أول ثورة عمالية ناجحة.واضحت السلطة العمالية تطرح في كل الانتفاضات اللاحقة، وقد حددت روزا لوكسمبورغ الموقف الماركسي من النضالات الجماهيرية من اجل الاصلاحات بربطها دوما –عبر المناضلين الاشتراكيين- بافق الثورة البرليتارية " لانه بالرغم من تقليص برنامجنا ليقتصر على العمل من اجل الاصلاحات الاجتماعية والعمل النقابي المعتاد، الا ان الهدف النهائي للحركة لا يلقى به جانبا، لان كل خطوة الى الامام انما تؤدي الى ابعد من الهدف المباشر المعطى، ولان الهدف الاشتراكي يبقى قائما كوجهة في التقدم المفترض" ( لوكسمبورغ، اصلاح اجتماعي ام ثورة).
النتائج الثانية، هي استمرار محاولات البرجوازية ـ من خلال اصلاحات فوقيةـ في تطوير الاشكال السياسية للحكم والدولة بما يتوافق و الشروط الجديدة لتراكم رأس المال.
الثورة الروسية ودروسها
،ستالينية الثورة على مراحل
كان موقف لينين الاولي حول الثورة في روسيا،والذي عبر عنه بشكل واضح في كراسه "خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية"، هو ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في روسيا ليست متطورة بشكل كاف يسمح بان تكون الثورة القادمة في روسيا ثورة اشتراكية، وشرح في كتابه " تطور الرأسمالية في روسيا" الاليات الكلاسيكية لتطورها في روسيا. وهو موقف متراجع حتى عن مواقف ماركس وانجلز منذ عام 1850. واعتقد لينين في الوقت نفسه ان البرجوازية الروسية من الضعف الى درجة عاجزة فيها عن قيادة الثورة الديمقراطية، لذلك يقع على عاتق الطبقة العاملة ان تقود الثورة لاسقاط القيصرية واقامة جمهورية ديمقراطية. لكن موقف لينين اقترب كثيرا من موقف تروتسكي " في اطروحات نيسان" وهو الموقف القائل بانه من اجل ان تكون الثورة اشتراكية، وليس-في احسن الاحوال- مجرد اقتصاد راسمالي وجمهورية برلمانية، فمن الضروري ان تنتشر-أي الثورة- الى البلدان الصناعية المتقدمة. وحدد تروتسكي وجهة نظره في كتابه "نتائج وتوقعات " بان " البروليتاريا تنو وتتضاعف قوتها بنمو الرأسمالية، بهذا المعنى يكون تطور الرأسمالية هو تطور البروليتاريا في اتجاه تحقيق دكتاتوريتها. على ان توقيت انتقال الحكم الى ايدي الطبقة العاملة لا يعتمد بشكل مباشر على المستوى الذي بلغته قوى الانتاج، وانما على العلاقات في الصراع الطبقي وعلى الوضع العالمي، واخيرا على عدد من العوامل الذاتية كتقاليد الطبقة العاملة ومبادرتها واستعدادها للنضال.....ان التصور ان قيام دكتاتورية البروليتاريا يعتمد بطريقة ما على تطور البلد المعني وعلى موارده انما هو زعم من مزاعم المادية "الاقتصادية" التافهة ". وهذا التصور هو الاساس النظري الذي انشأت على اساسه الاممية الثالثة. مثلما دافع تروتسكي عن مبدأ ارتهان نجاح وانتصار ثورة اكتوبر بانتشارها العالمي.
لقداكتشف لينين عام 1917 ما سبق ان اكتشفه ماركس وانجلز في زمنهما، وهو انه حتى في روسيا المتأخرة فان على الطبقة العاملة ان تقوم مباشرة وفي نفس الوقت بحل قضايا الثورة الديمقراطية والاشتراكية. وانه ان وجد نوع من "المراحل" في تطور وعي الطبقة العاملة عام 1917 فان هذا لا علاقة له بالشروط الاقتصادية الموضوعية للثورة الاشتراكية، بل يتعلق بحقيقة ان العمال يبدأون المعركة بثقة بقياداتهم التقليدية التي تمزع الى تسويات مع النظام الرأسمالي. هذا قد يؤثر على انخراطهم في البداية لكنه لا يضع حداَ لمدى التزامهم تحت تأثير النضالات الثورية.
لكن الستالينية قطعت الرابط بين امكانية الثورة الاشتراكية في بلد من جهة وبين ضرورة النضال من اجل نشرها عالمياَ، من جهة اخرى.
فاشتراكية ستالين في بلد واحد انما ارتكزت على مقولة ان الدولة الروسية لوحدها بامكانها اقامة المجتمع الاشتراكي، وانتقدت تروتسكي "لاستخفافه بالفلاحين".
وبالتالي فان انموذج الثورة الذي نشرته الدعاية الستالينية في العالم الثالث هو انموذج الثورة على "مرحلتين". المرحلة الاولى هي الثورة الديمقراطية والتي يجب خلالها- حسب الايديولجيا الستالينية- ان تخضع الطبقة العاملة طموحاتها الاشتراكية الخاصة لمصلحة "تحالف واسع" يهدف الى انجاز الثورة الديمقراطية. وفقط بعد انجاز الثورة الديمقراطية يمكن رفع المطالب الاشتراكية.
هذا الطرح الستاليني كان يعني ان الثورة لم تعد بحاجة للطبقة العاملة العالمية من اجل تحقيق النصر( في عصر الامبريالية)، واصبحت الثورة الديمقراطية منذئذ قابلة للتحقيق عبر تحالف متعدد الطبقات للقوى التقدمية التي تعمل في بلد محدد فحسب. وهكذا اصبح مقبولاَ للاشتراكيين ان ينادوا بتحالف الطبقة العاملة مع "الاقسام التقدمية" للبرجوازية في الثورات القادمة.
لقد ادى هذا الطرح الستاليني الى كوارث في صين عام 1921 واسبانيا 1936 من خلال اخضاع ثورة الطبقة العاملة لصالح البرجوازيين القوميين في الصين او البرجوازيين البرلمانيين (الاحزاب الجمهورية)في اسبانيا. والنتيجة كانت ثورة مضادة ودكتاتورية في كلتا الحالتين.
هل التصنيع والتحديث ورأسمالية الدولة تعني الاشتراكية؟
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
في الماركسية 2
اذا كان المشروع الاصلي لماركس وانجلز ما يزال صالحاَ، وهو " النضال من اجل مجتمع شيوعي حقيقي يكون فيه الافراد متحررون من اللامساواة الطبقية ومن قمع الدولة" وهو في الوقت نفسه مجتمع " يتجاوز ويرقى مستويات الانتاج والاستهلاك التي تعرفها الرآسمالية،لذلك فان ندرة المواد الاساسية سوف تزول فيه.. وسيشهد قيام شكل جديد من الحكم الذي سيحل محل بقايا اداة الدولة".
لكن اقتصادات الدولة في ما كان يسمى بالدول الاشتراكية تميزت بسمتين متناقضتين. من جهة هي اقتصادات موجهة(التخطيط) بمعنى انها لم تكن خاضعة للميل المتكرر لازمات فائض الانتاج الذي تشهده الرأسمالية. ومن جهة اخرى، فان هذه الميزة كان يتم اهدارها من قبل ادارة بيروقراطية رديئة، اضافة الى توجيه الانتاج لصالح تحقيق الاحتياجات الاستهلاكية للبيروقراطية الطفيلية. وهذا التناقض استند عليه طرح بعض اليساريين الذين يصفون هذه الاقتصادات بانها "تقدمية" مقارنة بالرأسمالية "لانها اقتصادات تخطيط"، واذا كان طرح بعض هؤلاء اليساريين نقدياَ فانه كان يضيف بان هذه الاقتصادات كانت تدار من قبل مستبدين وتعاني من تشوه بيروقراطي.
والحال، فان دينامية اقتصاديات هذه البلدان ( الاتحاد السوفياتي و اوربا الشرقية سابقاَ والصين وكوبا..) انما يكمن في حقيقة اخضاع كل النشاط الاقتصادي من اجل بناء وسائل الانتاج. ومايعنيه هذا من نتائج على كل الصعد.
لأن سيطرة اقتصاد يعمل من اجل بناء وسائل الانتاج – في أي بلد كان- هو الذي يمكن ان يفسر الخلل الهيكلي والفوضى والهدر في كل مجالات الانتاج. فان النمو الصناعي الذي نتج عنه بوتيرة سريعة ترافق مع انخفاض مذهل في منتوجات المواد الاستهلاكية والغذاء والسكن لغالبية السكان. وكان ثمن هذا التوجه هو سحق الوعي السياسي للطبقة العاملة لابتزاز الفائض منها ومن الفلاحين لتحقيق هذا التوجه الاقتصادي من خلال استغلال مضاعف. لانه،وفق فكرة ماركس،"فان العمل الحي ليس سوى وسيلة لزيادة العمل المتراكم. اما في في المجتمع الشيوعي، فان العمل المتراكم ليس سوى وسيلة لتحسين واغناء وتعزيز وجود العامل".
ويدعي بعض اليساريين بان البيروقراطية في دول ما كانت تسمى بالاشتراكية لم يكن لها من خيار اخر، سوىتصنيع البلاد باعتباره الطريق الوحيد للدفاع عن الدولة العمالية.
ولكن في الواقع هنالك بديل اخر، وهو القيام بتصنيع محدود لا يدمر ويستنزف حياة العمال والفلاحين، ويسعى الى تطوير الثورة العالمية كطريق وحيد، على المدى البعيد، لمنع قوى الانتاج الارقى التي تملكها الدول الراسمالية المتقدمة من ان تستخدم لسحق الدولة العمالية. وقد كان هو الخيار الذي طرحه قادة البلشفة لغاية عام 1924 ومن ثم المعارضة اليسارية. ولكنه لم يكن خيار البروقراطية الستالينية.
ونتيجة ذلك فقد تم دفع الاقتصاد نحو دينامية جديدة، اذ عوضاَ عن الانتاج لصالح استهلاك الطبقات المختلفة حل الانتاج من اجل التراكم.
واصبح التراكم، عوضاَ عن الاستهلاك، هو هدف النشاط الاقتصادي، وهوايضاَ الرد على الضغوط الخارجية.
وباعتبار البيروقراطية الحاكمة كانت جزء اَ من نظام عالمي تنافسي،.فقد كانت هنا، تحديدَا، تكمن جذور ازمة هذه الانظمة، أي الضغط من اجل التراكم في سبيل مزيد من التراكم. ويمكن القول، في هذا السياق، ان الخصخصة، التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت بالنسبة لاقسام من البيروقراطية، انما هي محاولة لحماية انفسها من الازمة العامة للنظام، ولم تكن، كما يعتقد البعض، سببا للازمة.
لذلك فاننا نجد ان الكثيرمن اليساريين وعلى خلفية الانموذج السوفياتي، كان يخلط – والبعض ما يزال- بين رغبته بالتغلب على التخلف الاقتصادي لبلاده وما بين الاشتراكية و "التنمية الاقتصادية". والبعض منهم يرى – حتى اليوم- ان هدف الثورة الروسية كان "التصنيع " والتحديث.
والواقع، ان وجهة نظر البلاشفة في عام 1917 كانت غير ذلك.
كان اليسار الماركسي الروسي يرى ان روسيا بلد معزول. وان الطريق الوحيد للتغلب على تخلفه هو طريق التطور الرأسمالي، الذي يقع على عاتق البرجوازية الروسية.
وما كان يفرق البلاشفة عن المناشفة قبل عام 1917 هو ان البلاشفة كانوا يعتقدون ان الطبقة الرأسمالية الروسية هي من الجبن الى حد انها لن تسعى الى اسقاط القيصرية. وان هذه المهمة تقع على عاتق تحالف الفلاحين والعمال، أي ما يسمى ب"الدكتاتورية الديمقراطية". وكان يرى البلاشفة انه بمجرد ان انجزت هذه المهمة فان العمال سينتقلون الى صف المعارضة، للدفاع عن مصالحهم في مواجهة الاثار السلبية للتصنيع الرأسمالي. وقناعتهم هذه تستند على ايمانهم بان الاشتراكية اصبحت ممكنة التحقيق لان تطور الانتاج في ظل الرأسمالية ابرز، ولاول مرة في تاريخ البشرية، امكانية الانتقال الى الاشتراكية.
لكن البلاشفة غيروا من موقفهم هذا الى موقف اخر اقرب الى موقف تروتسكي القائل بامكانية البدء ببناء الاشتراكية في روسيا، ولكن دون ان يعني هذا القيام بالتصنيع داخل حدود الاقتصاد الروسي المغلق. وكثيراَ ما كرر لينين فكرة ان فرص التقدم نحو الاشتراكية ممكنة ومتوفرة، لأن انتشار الثورة عالمياَ سوف يتغلب على تخلف روسيا.
وتؤكد التجارب في الدول التابعة او شبه المصنعة ان برامج "التنمية" التي تهدف الى اللحاق ( وفي اطار بلد واحد) بمستوى قوى الانتاج القائم في الدول عالية التصنيع (المتقدمة) في العالم لم تتم الا من خلال امتصاص كتل هائلة من الفائض من العمال والفلاحين.
ومن الوضوح اكثر، يمكن القول انه في حالة انتصار ثورة في بلد شبه مصنع، فان الثورة يمكنها ان تحقق تحسناَ في مستوى حياة جماهير الشعب من خلال توزيع ثروة الاكثر غناءاَ لصالح الافقر، ويمكنها ان ترفض دفع الفوائد والارباح للراسمال العالمي، ويمكنها ايضاَ ان تبدأ باحداث نقلة في الصناعة والزراعة لصالح سياسة انتاجية تهدف الى تحسين شروط حياة الجماهير. وبامكانها ايضاَ – اذا توفرت الشروط الموضوعية – ان تسعى وبالتدريج الى رفع مستوى الانتاجية للمجتمع ككل، وخاصة من خلال دعم الزراعة الفلاحية بما يسمح بتوفير المزيد من الغذاء للسكان وبما يوثق من ارتباط الفلاحين بالمشروع الثوري.
بالرغم من ذلك، ليس بامكان الثورة ان تبدأ برفع مستوى قوى الانتاج الى مستوى مشابه لما هي عليه في الدول المتقدمة، الا في حالة واحدة هي ان تعيد التجربة الروسية، أي ان تقوم الثورة بمهمة الرأسمالية وليس الاشتراكية. بمعنى اخر ان تقوم بالتراكم من اجل التراكم، وبناء وسائل الانتاج على حساب شقاء جماهير الشعب....
وسيجد النظام الثوري نفسه، على المدى المتوسط، امام خياران قاتلان، طالما بقي معزولا في بلد واحد.
الاول هو ان ينعزل عن السوق العالمي، وحينئذ سيعاني من انحدار في مستوى قواه الانتاجية، وسيخسر امكانية تحقيق تنمية تقنية لها قيمة على الصعيد العالمي، مما سيؤدي الى ركود اقتصادي، وخسارته للدعم الشعبي.
والثاني هو ان ينفتح النظام الثوري على النظام العالمي ( وهذا ما حصل في فيتنام وكوبا..) ليجد نفسه،في تبعيته اللاحقة، اسير لتقلبات النظام الرأسمالي العالمي.
لذلك على اليسار الماركسي ان يقول هذه الحقائق، اذا رغب بالقطيعة مع الاطروحات " التنموية والتصنيعية والتحديثية" على الصعيد المحلي التي لا تعني سوى استمرار ومفاقمة استغلال العمال والفلاحين.
حركات التحررالوطني في العالم الثالث والاشتراكية
لكن اقتصادات الدولة في ما كان يسمى بالدول الاشتراكية تميزت بسمتين متناقضتين. من جهة هي اقتصادات موجهة(التخطيط) بمعنى انها لم تكن خاضعة للميل المتكرر لازمات فائض الانتاج الذي تشهده الرأسمالية. ومن جهة اخرى، فان هذه الميزة كان يتم اهدارها من قبل ادارة بيروقراطية رديئة، اضافة الى توجيه الانتاج لصالح تحقيق الاحتياجات الاستهلاكية للبيروقراطية الطفيلية. وهذا التناقض استند عليه طرح بعض اليساريين الذين يصفون هذه الاقتصادات بانها "تقدمية" مقارنة بالرأسمالية "لانها اقتصادات تخطيط"، واذا كان طرح بعض هؤلاء اليساريين نقدياَ فانه كان يضيف بان هذه الاقتصادات كانت تدار من قبل مستبدين وتعاني من تشوه بيروقراطي.
والحال، فان دينامية اقتصاديات هذه البلدان ( الاتحاد السوفياتي و اوربا الشرقية سابقاَ والصين وكوبا..) انما يكمن في حقيقة اخضاع كل النشاط الاقتصادي من اجل بناء وسائل الانتاج. ومايعنيه هذا من نتائج على كل الصعد.
لأن سيطرة اقتصاد يعمل من اجل بناء وسائل الانتاج – في أي بلد كان- هو الذي يمكن ان يفسر الخلل الهيكلي والفوضى والهدر في كل مجالات الانتاج. فان النمو الصناعي الذي نتج عنه بوتيرة سريعة ترافق مع انخفاض مذهل في منتوجات المواد الاستهلاكية والغذاء والسكن لغالبية السكان. وكان ثمن هذا التوجه هو سحق الوعي السياسي للطبقة العاملة لابتزاز الفائض منها ومن الفلاحين لتحقيق هذا التوجه الاقتصادي من خلال استغلال مضاعف. لانه،وفق فكرة ماركس،"فان العمل الحي ليس سوى وسيلة لزيادة العمل المتراكم. اما في في المجتمع الشيوعي، فان العمل المتراكم ليس سوى وسيلة لتحسين واغناء وتعزيز وجود العامل".
ويدعي بعض اليساريين بان البيروقراطية في دول ما كانت تسمى بالاشتراكية لم يكن لها من خيار اخر، سوىتصنيع البلاد باعتباره الطريق الوحيد للدفاع عن الدولة العمالية.
ولكن في الواقع هنالك بديل اخر، وهو القيام بتصنيع محدود لا يدمر ويستنزف حياة العمال والفلاحين، ويسعى الى تطوير الثورة العالمية كطريق وحيد، على المدى البعيد، لمنع قوى الانتاج الارقى التي تملكها الدول الراسمالية المتقدمة من ان تستخدم لسحق الدولة العمالية. وقد كان هو الخيار الذي طرحه قادة البلشفة لغاية عام 1924 ومن ثم المعارضة اليسارية. ولكنه لم يكن خيار البروقراطية الستالينية.
ونتيجة ذلك فقد تم دفع الاقتصاد نحو دينامية جديدة، اذ عوضاَ عن الانتاج لصالح استهلاك الطبقات المختلفة حل الانتاج من اجل التراكم.
واصبح التراكم، عوضاَ عن الاستهلاك، هو هدف النشاط الاقتصادي، وهوايضاَ الرد على الضغوط الخارجية.
وباعتبار البيروقراطية الحاكمة كانت جزء اَ من نظام عالمي تنافسي،.فقد كانت هنا، تحديدَا، تكمن جذور ازمة هذه الانظمة، أي الضغط من اجل التراكم في سبيل مزيد من التراكم. ويمكن القول، في هذا السياق، ان الخصخصة، التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت بالنسبة لاقسام من البيروقراطية، انما هي محاولة لحماية انفسها من الازمة العامة للنظام، ولم تكن، كما يعتقد البعض، سببا للازمة.
لذلك فاننا نجد ان الكثيرمن اليساريين وعلى خلفية الانموذج السوفياتي، كان يخلط – والبعض ما يزال- بين رغبته بالتغلب على التخلف الاقتصادي لبلاده وما بين الاشتراكية و "التنمية الاقتصادية". والبعض منهم يرى – حتى اليوم- ان هدف الثورة الروسية كان "التصنيع " والتحديث.
والواقع، ان وجهة نظر البلاشفة في عام 1917 كانت غير ذلك.
كان اليسار الماركسي الروسي يرى ان روسيا بلد معزول. وان الطريق الوحيد للتغلب على تخلفه هو طريق التطور الرأسمالي، الذي يقع على عاتق البرجوازية الروسية.
وما كان يفرق البلاشفة عن المناشفة قبل عام 1917 هو ان البلاشفة كانوا يعتقدون ان الطبقة الرأسمالية الروسية هي من الجبن الى حد انها لن تسعى الى اسقاط القيصرية. وان هذه المهمة تقع على عاتق تحالف الفلاحين والعمال، أي ما يسمى ب"الدكتاتورية الديمقراطية". وكان يرى البلاشفة انه بمجرد ان انجزت هذه المهمة فان العمال سينتقلون الى صف المعارضة، للدفاع عن مصالحهم في مواجهة الاثار السلبية للتصنيع الرأسمالي. وقناعتهم هذه تستند على ايمانهم بان الاشتراكية اصبحت ممكنة التحقيق لان تطور الانتاج في ظل الرأسمالية ابرز، ولاول مرة في تاريخ البشرية، امكانية الانتقال الى الاشتراكية.
لكن البلاشفة غيروا من موقفهم هذا الى موقف اخر اقرب الى موقف تروتسكي القائل بامكانية البدء ببناء الاشتراكية في روسيا، ولكن دون ان يعني هذا القيام بالتصنيع داخل حدود الاقتصاد الروسي المغلق. وكثيراَ ما كرر لينين فكرة ان فرص التقدم نحو الاشتراكية ممكنة ومتوفرة، لأن انتشار الثورة عالمياَ سوف يتغلب على تخلف روسيا.
وتؤكد التجارب في الدول التابعة او شبه المصنعة ان برامج "التنمية" التي تهدف الى اللحاق ( وفي اطار بلد واحد) بمستوى قوى الانتاج القائم في الدول عالية التصنيع (المتقدمة) في العالم لم تتم الا من خلال امتصاص كتل هائلة من الفائض من العمال والفلاحين.
ومن الوضوح اكثر، يمكن القول انه في حالة انتصار ثورة في بلد شبه مصنع، فان الثورة يمكنها ان تحقق تحسناَ في مستوى حياة جماهير الشعب من خلال توزيع ثروة الاكثر غناءاَ لصالح الافقر، ويمكنها ان ترفض دفع الفوائد والارباح للراسمال العالمي، ويمكنها ايضاَ ان تبدأ باحداث نقلة في الصناعة والزراعة لصالح سياسة انتاجية تهدف الى تحسين شروط حياة الجماهير. وبامكانها ايضاَ – اذا توفرت الشروط الموضوعية – ان تسعى وبالتدريج الى رفع مستوى الانتاجية للمجتمع ككل، وخاصة من خلال دعم الزراعة الفلاحية بما يسمح بتوفير المزيد من الغذاء للسكان وبما يوثق من ارتباط الفلاحين بالمشروع الثوري.
بالرغم من ذلك، ليس بامكان الثورة ان تبدأ برفع مستوى قوى الانتاج الى مستوى مشابه لما هي عليه في الدول المتقدمة، الا في حالة واحدة هي ان تعيد التجربة الروسية، أي ان تقوم الثورة بمهمة الرأسمالية وليس الاشتراكية. بمعنى اخر ان تقوم بالتراكم من اجل التراكم، وبناء وسائل الانتاج على حساب شقاء جماهير الشعب....
وسيجد النظام الثوري نفسه، على المدى المتوسط، امام خياران قاتلان، طالما بقي معزولا في بلد واحد.
الاول هو ان ينعزل عن السوق العالمي، وحينئذ سيعاني من انحدار في مستوى قواه الانتاجية، وسيخسر امكانية تحقيق تنمية تقنية لها قيمة على الصعيد العالمي، مما سيؤدي الى ركود اقتصادي، وخسارته للدعم الشعبي.
والثاني هو ان ينفتح النظام الثوري على النظام العالمي ( وهذا ما حصل في فيتنام وكوبا..) ليجد نفسه،في تبعيته اللاحقة، اسير لتقلبات النظام الرأسمالي العالمي.
لذلك على اليسار الماركسي ان يقول هذه الحقائق، اذا رغب بالقطيعة مع الاطروحات " التنموية والتصنيعية والتحديثية" على الصعيد المحلي التي لا تعني سوى استمرار ومفاقمة استغلال العمال والفلاحين.
حركات التحررالوطني في العالم الثالث والاشتراكية
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
في الماركسية 3
عرف لينين الامبريالية باعتبارها " الاستعباد الكولونيالي والمالي للغالبية الواسعة من سكان العالم من قبل اقلية محدودة من اغنى البلدان الرأسمالية واكثرها تقدماَ" (اطروحات حول المسألة القومية والاستعمار). وكان اول ماركسي طرح ضرورة تحالف عالمي بين الثورة البروليتارية في الغرب وحركات التحرر الوطني في الشرق. وطالب بضرورة دعم الشيوعيين لها في النضال ضد "الامبريالية"، لكنه حذر في الوقت ذاته من الخلط" بين مصالح الطبقات المضطهدة ومصالح جماهير العمال والمستغلين والمفهوم للمصالح الوطنية ككل، والذي يعني ضمناَ مصالح الطبقة الحاكمة"
ولذلك فقد اعلن المؤتمر الثاني للكومنترن " ضرورة النضال الحازم ضد محاولات اعطاء صفة شيوعية لتيارات التحرر الديمقراطية البرجوازية في البلاد المتخلفة... وعلى الاممية الشيوعية ان تدخل في تحالف مؤقت مع الديمقراطية البرجوازية في البلاد المستعمرة والمتخلفة ولكن عليها ألا تندمج معها، وعليها تحت كل الظروف الحفاظ على استقلالية الحركة البروليتارية حتى لو كانت في اكثر اشكالها جنينية".
اما السياسة الستالينية للدولة السوفياتية فقد سارت في الاتجاه المعاكس تماما. ومع الخمسينات والستينات اصبحت تقريبا كافة انظمة حركات التحرر الوطني تسمي نفسها "اشتراكية" والعديد منها ادعى الماركسية، فيما ينطبق عليها مقولة ماركس في (18 من برومير ولويس بونابرت) :" كما يميز المرء في الحياة الخاصة، بين مايعتقده ويقوله شخص ما عن نفسه وبين حقيقته وحقيقة ما يفعل. فيتبغي التمييز بدرجة اكبر في الصراعات التاريخية بين مقولات وخيالات الاطراف المشاركة في هذه الصراعات، وبين تكوينها الحقيقي ومصالحها الحقيقية. وما بين تصورها لنفسها وبين حقيقتها".
كيف يمكن تفسير ذلك ؟
والحال، فان مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، أي مرحلة نزع الاستعمار وحركات التحرر الوطني، قدمت انموذجَاَ "معكوسا" لنظرية الثورة الدائمة لتروتسكي.
بمعنى ان نظرية الثورة الدائمة تقوم على مقولتين اساسيتين، الاولى هي حقيقة ان البرجوازية اصبحت عاجزة عن استعادة ماضيها الثوري في الظروف الحديثة، وبالتالي هي عاجزة عن بناء دولة رأسمالية موحدة ومستقلة في مواجهة طبقات قبل-رأسمالية او كولونيالية حاكمة. الثانية هي ضرورة ان تقوم الطبقة العاملة بملئ الفراغ السياسي الناتج عن ما سبق، وبالتالي عليها ان تحل وبنفس الوقت قضايا الثورة الديمقراطية والاشتراكية.
ولكن ماذا يمكن ان يحدث اذا كان الشرط الاول متوفر وصحيح،أي الضعف الموضوعي للبرجوازية. بينما الشرط الثاني،أي الدينامية الذاتية للطبقة العاملة ، لم يتحقق بعد؟
انها قوى اجتماعية اخرى هي التي تلعب دوراَ سياسياَ هاماَ. فقد شهدت ثورات الصين وكوبا( طوني كليف، الثورة الدائمة) وايران وغيرها لحظات يتفكك فيها النظام القديم نتيجة ازمة اجتماعية واسعة، مع وجود طبقة عاملة عاجزة. في حالة الصين شكل الفلاحون الجسد الرئيسي لقوى الثورة، ولكن منذ ان اضحت الثورات الحديثة يطغى عليها الطابع المديني، فلم يعد للفلاحين امكانية تقديم قيادة سياسية تنبع منهم، وهكذا قيادة توفرها في كل الاحوال شرائح من الطبقة الوسطى هي الانتلجنتسيا.
فاذا كانت هذه الشريحة قد لعبت دوراَ هاماَ في قيادة الثورات البرجوازية الكلاسيكية، الا ان دورها برز اكثر في المجتمعات "النامية" الحديثة.
لقد وفرت شروط ضعف الطبقة العاملة لهذه الطبقة الوسطى ان تلعب دوراَ قيادياَ في الحركات الشعبية. لكن الثورات التي نتجت عن هكذا شروط كانت تحديثية وقومية ومناهضة للاستعمار، ولكنها لم تكن ولا باي حال ثورات اشتراكية.
يجد افراد هذه الشريحة الوسطى الباحثون عن اله جديد غايتهم في مفهوم "الشعب" وخاصة تلك الاقسام منه التي تعاني من صعوبة شديدة في تنظيم نفسها أي الفلاحين. وتترافق رغبتها بالالتحام ب"الشعب" ووضع حد لخضوع البلد او "الامة" مع شعور متنامي بالفوقية. فهذه النخبة تشعر بان الجماهير(ها) هي الى درجة من التخلف و البلادة تعيقها عن القيام بالثورة لوحدها، هذه المقاربة تفسر ميل وانجذاب اغلب هذه البلدان النامية (مصر، الجزائر، سوريا، غانا، اليمن الجنوبي......) الى شكل سياسي من الحكم الفردي ورأسمالية الدولة. وقد اطلق على هذه السيرورة مصطلح " الثورة الدائمة المنحرفة، او بالمقلوب)
في كل مكان كانت فيه القوى الاجتماعية الاساسية، وبشكل خاص الطبقة العاملة ضعيفة او مفككة وتفتقر الى قيادة سياسية اشتراكية، فقد استمرت فيه هذه الشرائح الوسطى بلعب دور سياسي طويل حتى بعد اندثار وتفكك تجسيداتها الايديولوجية. وانهيار الاتحاد السوفياتي وحقبة الحرب الباردة.
و ماذا عن "الكتلة التاريخية"؟
لا يمت مفهوم "الكتلة التاريخية" لدى غرامشي(دفاتر السجن) باي صلة بمفهوم شاع عنه باعتباره نوع من التحالف مع البرجوازية. مثلما ان مفهوم الهيمنة لدى غرامشي لا تعني عنده حجة لكل من يرغب بتقديم تنازلات للطبقات المالكة او السعي للاتفاق معها.
لقد اكد غرامشي، بما لا يترك مجالاَ للشك، ضرورة بناء تحالف بين حركتي العمال الصناعيين والزراعيين. كما اكد على الدور الحاسم للمثقفين في تشكيل هذه التحالفات. لانه يرى بان المثقفين يلعبون دوراَ رئيسياَ في ربط الفلاحين بطبقة ملاك الاراضي، لذلك دعا الى الحاجة لكسر هذا الرابط من خلال بناء تيار يساري في اوساط المثقفين.
واذ اشار غرامشي الى اهمية توفر شكل من التوافق في اوساط الجماهير الفلاحية كشرط اولي قبل تعبئتهم في مواجهة الرأسمالية، فانه انما يعني التحالف مع الفلاحين وليس مع الرأسماليين من اجل قطع علاقتهم مع ظبقة كبار ملاك الاراضي.
هذا هو مفهوم "الكتلة" التاريخية" الذي له دور محدد في التغيير الاجتماعي، لا علاقة له باي شكل من الاشكال مع دعوة التحالف او التعاون بين العمال والرأسماليين، او بين العمال وبين الاحزاب الشعبوية او الليبرالية او ما شابهها.
لأن تحقيق الهيمنة السياسية تعني – وفق غرامشي- قدرة الطبقة العاملة على قيادة تحالفات سياسية، وان تصبح شعاراتها ومطالبها هي شعارات ومطالب الشرائح الوسطى والفلاحين والشرائح المفقرة من الطبقة الوسطى، باعتبار تحقيق ذلك شرط اولي لتحقيق النصر.
الثورة، في النظرية الماركسية، لا يمكن ان تكون سوى من عمل الجماهير الواسعة، وليست ابداَ من عمل اقلية صغيرة كائناَ ما كانت، والانتفاضة هي اوج هذه السيرورة ولحظة نوعية تنظم كفن.
ومن اجل اقناع وكسب الجماهير للثورة الاشتراكية، فان عمل يومي وشاق سيكون ضرورياَ... من اجل " مراكمة القوى داخل الطبقة العاملة". فالدعوة للثورة الاشتراكية والسلطة العمالية لا تتضمن في كل الاحوال ادنى تبني للمغامرات اليسارية المتطرفة التي تدفع بالجماهير في شروط يتم فيها هزيمتها وسحقها. ومهمة الماركسيين ان يعرفوا تماماَ التمييز بين مرحلة مراكمة القوى وبين مرحلة استخدام هذه القوى في العمل الثوري.
الخطأ الفادح الذي ارتكبته الاشتراكية –الديمقراطية كان تحويلها لاستراتيجية مراكمة القوى الى استراتيجية دائمة. وتحويلها للمشاركة في الانتخابات الى استراتيجية لاستلام السلطة وليس لمراكمة القوى.
الديمقراطية والدكتاتورية
تقوم انظمة الحكم على اليات من نوعين : الاولى تحقيق الرضاء والثانية الاكراه. وفي حين نجد ان وزن الاجهزة الايديولوجية ووسائل الاعلام كبيرة وهامة في الديمقراطيات، دون غياب الاكراه والقوة . فاننا نرى بان اليات القوة والاكراه هي الاهم والابرز في الدكتاتوريات، دون الغاء حاجتها الى حد ما من الرضاء. وعلى الرغم من سيطرة الانظمة الدكتاتورية على مفاصل نشاطات المجتمع، ووجود –اوغياب- مؤسسات برلمانية شكلية الا انه يبقى دائما مساحات ومجالات يمكن الصراع عليها.
ان سيرورة هزيمة هذه الانظمة- بقراءة التجارب العديدة الحديثة(وخاصة في امريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا)- تنمو من خلال عملية تراكم لقوى بطئ وسري، حتى تنفجرالنضالات في بعض القطاعات المؤثرة ان كانت الحركة الطلابية ام النقابية او الحركات الشعبية. وتشير قراءة هذه التجارب الى انه ليس مهماَ ماهية القطاع الذي يبادر بالحركة، والتي تأخذ عموماَ طابع تحرك جماهير ينفجر بعد فترة طويلة من الاختمار والاعداد. وتحمل هذه الحركات مطالب ديمقراطية ( مثل شعارات لتسقط الدكتاتورية او لتسقط الحكومة) مما قد يؤدي في البداية الى تعديل موازين القوى مع الدكتاتورية، حتى يصل الى نسف اسسها.
ان التحركات الجماهيرية تبدو في البداية وكأنها "حرب حركة"، اذ يؤدي بروز نضالات كبيرة يعمق التناقضات الاجتماعية، الى ان تظفر القوى السياسية بمساحات جديدة للعمل والتوسع في عدد من المؤسسات وان تعيد بناء ذاتها وتراكم مزيد من القوى، مما يسمح لها بنشاطات اكثر هجومية، حتى لو كانت امكانياتها ما تزال محدودة، مثل "احتلال" اماكن للتظاهر والاعتصام والدعاية والنشاط..الخ.
وتأخذ التحركات الجماهيرية في ظل الانظمة الدكتاتورية،في العادة، طابع طبقي تعددي، وتشمل حتى قطاعات من البرجوازية. ولكن البرجوازية، كطبقة غير حازمة حتى في الصراع من اجل المطالب الديمقراطية، لا ترغب باي ثورة خشية ان لا تذهب الجماهير بعيداَ في المطالبة بما هو اكثر من مجرد تغيير اشكال السيطرة (الطاقم الحاكم). ومشاركة اقسام من البرجوازية في الصراع من اجل الديمقراطية يأتي عموماَ عندما يصل هذا الصراع الى ذروته، وتحاول ان تضعه في اطار وحدود الرأسمالية. اذن، تقوم البرجوازية باستخدام قوتها الاقتصادية والاجتماعية للتلاعب بالثورة وتجميدها في مرحلتها الديمقراطية.
على سبيل المثال، ترافق الضغط الثوري من الاسفل (الجماهيري) في البرازيل عام 1982 مع اصلاح –ذاتي للدكتاتورية ادى الى انتقال ديمقراطي متفاوض عليه وحافظ على سيطرة البرجوازية المدنية، بينما لم تلعب الطبقة العاملة البرازيلية دوراَ مستقلاَ بل انحلت في الحركة الديمقراطية العامة.
اما في الارجنتين عام 1982 فان الثورة وسقوط الحكم العسكري لم يترافقا مع بروز هيئات مجالسية او هيئات ازدواجية سلطة. ولم يكن هنالك أي حزب ذو نفوذ جماهيري، مما ادى الى قيام اقسام من البرجوازية باستلام السلطة.
ليس المثال الارجنتيني يتيماَ. فقد شهدت بلدان امريكا اللاتينية سيرورات مشابهة. أي ان سقوط الدكتاتوريات مع غياب لهيئات سلطة بديلة ادى، مع وجود طبقة حاكمة جاهزة لاستخدام مؤسسات البرجوازية الديمقراطية، الى حرف النضالات الجماهيرية وتجميد السيرورة الثورية.
والدرس الرئيسي من هذه التجارب هو ضرورة ان يجهد الاشتراكيون في العمل داخل صفوف الحركة العمالية واوساط الشباب والمنظمات الشعبية والفلاحية.. والقيام- على اساس هذه الاستراتيجية الدائمة- بالتنظيم من الاسفل(القاعدي) والسعي لتوحيد الصفوف والشرح الصبور والمثابر لضرورة بناء نظام من نوع جديد يقوم على الحشد الجماهيري الدائم وقيام الجماهير العاملة والمأجورة بتنظيمها الذاتي وادارتها الذاتية للحكم.
الثورات المخملية
ان محصلة تجارب ثورات اوربا الشرقية عام 1989 كانت مزيجاَ من الانجاز وخيبة الامل في الوقت نفسه.
الانجاز الحقيقي لثورات 1989 هو انها اسقطت سياسية دكتاتورية واقامت محلها شكل للحكم يسمح فيه للعمال بحق تشكيل والانظمام الى النقابات التي لم تعد تحت سيطرة الدولة.وحقهم في التنظيم السياسي والتعبير عن انفسهم، وحرية لم يعهدوها في ظل الانظمة الستالينية السابقة.
اما خيبة الامل فتنبع من ان مثل هذه الحركة الثورية العالمية قد انتهت باقامة نظام اقتصادي وسياسي يحافظ على السلطة الواسعة للطبقة الحاكمة، متيحاَ لها في المجال باعادة تجديد سيرورة تراكم رأس المال، من خلال مفاقمة استغلال العمال. هذه الخيبة يمكن النظر اليها من زاويتين. الاولى هي تحرر العديد من الشخصيات القيادية لهذه الثورات من اوهامها،وقد اجادت روزا لوكسمبورغ في وصفها بان " المصلح البرجوازي الصغير يرى جوانب (حسنة) و (سيئة) في كل شئ. انه يقضم قليلاَ من كل انواع الاعشاب".والثانية هي في فداحة الاستغلال الاقتصادي وعملية العزل السياسي الذي تتعرض له جماهير العمال في مجمل دول اوربا الشرقية. والذي يترافق مع تدهور حاد للمستوى المعيشي لغالبية السكان.
بالمقارنة، فان خيبة امل ثوريي ثورات 1989 هو نوعياَ مختلف عن خيبة امل ثوريي الثورات البرجوازية الكلاسيكية. لأن برنامج الاخيرين لم يكن ممكناَ تحقيقه بسبب الشروط الاقتصادية- الجتماعية للعصر. بينما تم هزيمة برنامج البلاشفة في روسيا من خلال ثورة –مضادة هي الستالينية. اما ثوريي الديمقراطية لعام 1989 فان خيبتهم نتجت –على العكس من الاخيرين- من ان برامجهم قد تحققت. والخطأ (سبب الخيبة) يكمن في البرنامج وليس في شروط الوضع الموضوعي او سلطة القوى التي واجهتهم.
خاتمة
تشير دروس كل الثورات السابقة الى ان كل الثورات ومن ضمنها الثورات الاشتراكية تبدأ بالمعركة من اجل المطالب الديمقراطية. وعلى الاشتراكيين ان يكونوا في مقدمة النضال من اجل كل انواع الاصلاحات الديمقراطية.
وقد اكدت التجربة الاندونيسية، مثلاَ، حقيقة ان الدولة الاندونيسية هي دولة رأسمالية، وان البرجوازية الاندونيسية مرتبطة عضوياَ بالدولة، مما يوضح وببساطة حدود السياسات الديمقراطية الصرفة، والسرعة التي يمكن ان تبرز من خلالها السياسات والمطالب الاشتراكية في دينامية الثورة اللاحقة، مما يعزز من اهمية طرح مطالب اشتراكية.
بل ان الاهم، هو ان يرفع الاشتراكيون المطالب الديمقراطية بطريقة مختلفة عن اؤلئك الذين هم مجرد مشاركين في "الثورة الديمقراطية". وان يلجأوا الى وسائل ولقنيات انظيمية مختلفة لتحقيق هذه المطالب.
وكان قد اكد ماركس عام 1848 على ضرورة ان يبقى العمال متقدمين" بخطوة" امام المعارضة الليبرالية، وان تكون مطالبهم، وان كانت "ديمقراطية"، ذات محتوى طبقي خاص تضع العمال في مواجهة الديمقراطيين الليبراليين.
كانت قضية التكتيكات والشعارات اليومية بالنسبة لماركس جزء لا يتجزأ من فهم استراتيجي اوسع يتمركز حول ان الهدف الذي نسير نحوه هو الثورة الاشتراكية. وهو لذلك لم يتحدث عن عن خكومة مؤقتة يشكلها العمال او حاول التكهن بشكل الخكومة المؤقتة التي يمكن ان يشكلها الديمقراطيون البرجوازيون.
لقد فدرك ماركس وانجلز ان الاستقطاب الطبقي يقسم ويفرز المعسكر الديمقراطي. وقد اشار انجلز الى ان كل الثورات تبدأ ب"وحدة ديمقراطية متعددة الطبقات في موادهة النظام القديم. ولكن تطور الثورة في مراحلها الاولى يفسح في المجال للانقسامات والاصطفافات السياسية ضمن المعسكر الثوري على اساس التمايزات الطبقية. هكذا كان الحال في كل الثورات السابقة ومن ضمنها الثورات البرجوازية الكلاسيكية.
لكن كل الثورات اللاحقة لعام 1848 تتميز –بسبب الشروط الموضوعية لتطور الرأسمالية والامبريالية – بامكانية ان يتطور هذا التفاوت الطبقي الى درجة يقوم فيها العمال باقامة سلطتهم المتميزة أي المجالس العمالية. فالاشتراكية عند ماركس هي " التحرر الذاتي للطبقة العاملة، ولا احد اخر يمكن ان يحقق الاشتراكية لهم".
وقد برزت هذه المجالس، كهيئات للنشاط والنضالات، عمومأ بشكل عفوي في كل الانتفاضات الثورية : في المانيا 1918 وهنغاريا 1919 وايطاليا عامي 1919 و 1920 وفي اسبانيا 1936 وهنغاريا 1956 وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا 1968 والبرتغال 1974 وتشيلي.....
ولأن مقولة ان"تحرر الطبقة العاملة هو من عمل الطبقة العاملة نفسها" هي من المقولات الاساسية في الماركسية، فان مجالس العمال والمنتجين،التي هي هيئات غير حزبية، تمثل الاقسام المتعددة لنضال الطبقة العاملة. وقد تمر فترة طويلة يكون فيها الهيمنة هي لاشتراكيين"معتدلين" من الباحثين عن تسوية مع الحكومة المؤقتة، كما حصل مع سوفييتات الثورة الروسية التي سيطر عليها المناشفة وحلفائهم معظم عام 1917، ولكن نتيجة و مصير الثورة الروسية لم يكن بالامكان حسمه الا من خلال قدرة الثوريين –ام لا- على الظفر بالاغلبية داخل السوفييتات خلال مسار الثورة. وفقط عندما حازوا على هذه الاغلبية داخل السوفييتات قادوها الى القضاء على الحكومة المؤقتة.
ان تطور الرأسمالية الحديث يجعل البرجوازية تخشى الطبقة العاملة اكثر من خشيتهامن النظام القديم الذي يجثم على كاهلها.
واخيراَ، فان انهيار ما كان يسمى بالانظمة "الاشتراكية" في فترة ثورات 1989 لغاية انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 فتح الباب امام حقبة يسودها خطاب ديمقراطي يتمحور حول الحدود الدنيا من الليبرالية البرلمانية والانتخابات مع ربط المطلب الديمقراطي "حكماَ" باقتصاد السوق. ويتم في هذا الاطار فصل امكانية تحقيق الديمقراطية عن النضالات الشعبية التي كانت دائماَ شرطاَ ضروريا للظفر بالحريات الديمقراطية.
ولذلك فقد اعلن المؤتمر الثاني للكومنترن " ضرورة النضال الحازم ضد محاولات اعطاء صفة شيوعية لتيارات التحرر الديمقراطية البرجوازية في البلاد المتخلفة... وعلى الاممية الشيوعية ان تدخل في تحالف مؤقت مع الديمقراطية البرجوازية في البلاد المستعمرة والمتخلفة ولكن عليها ألا تندمج معها، وعليها تحت كل الظروف الحفاظ على استقلالية الحركة البروليتارية حتى لو كانت في اكثر اشكالها جنينية".
اما السياسة الستالينية للدولة السوفياتية فقد سارت في الاتجاه المعاكس تماما. ومع الخمسينات والستينات اصبحت تقريبا كافة انظمة حركات التحرر الوطني تسمي نفسها "اشتراكية" والعديد منها ادعى الماركسية، فيما ينطبق عليها مقولة ماركس في (18 من برومير ولويس بونابرت) :" كما يميز المرء في الحياة الخاصة، بين مايعتقده ويقوله شخص ما عن نفسه وبين حقيقته وحقيقة ما يفعل. فيتبغي التمييز بدرجة اكبر في الصراعات التاريخية بين مقولات وخيالات الاطراف المشاركة في هذه الصراعات، وبين تكوينها الحقيقي ومصالحها الحقيقية. وما بين تصورها لنفسها وبين حقيقتها".
كيف يمكن تفسير ذلك ؟
والحال، فان مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، أي مرحلة نزع الاستعمار وحركات التحرر الوطني، قدمت انموذجَاَ "معكوسا" لنظرية الثورة الدائمة لتروتسكي.
بمعنى ان نظرية الثورة الدائمة تقوم على مقولتين اساسيتين، الاولى هي حقيقة ان البرجوازية اصبحت عاجزة عن استعادة ماضيها الثوري في الظروف الحديثة، وبالتالي هي عاجزة عن بناء دولة رأسمالية موحدة ومستقلة في مواجهة طبقات قبل-رأسمالية او كولونيالية حاكمة. الثانية هي ضرورة ان تقوم الطبقة العاملة بملئ الفراغ السياسي الناتج عن ما سبق، وبالتالي عليها ان تحل وبنفس الوقت قضايا الثورة الديمقراطية والاشتراكية.
ولكن ماذا يمكن ان يحدث اذا كان الشرط الاول متوفر وصحيح،أي الضعف الموضوعي للبرجوازية. بينما الشرط الثاني،أي الدينامية الذاتية للطبقة العاملة ، لم يتحقق بعد؟
انها قوى اجتماعية اخرى هي التي تلعب دوراَ سياسياَ هاماَ. فقد شهدت ثورات الصين وكوبا( طوني كليف، الثورة الدائمة) وايران وغيرها لحظات يتفكك فيها النظام القديم نتيجة ازمة اجتماعية واسعة، مع وجود طبقة عاملة عاجزة. في حالة الصين شكل الفلاحون الجسد الرئيسي لقوى الثورة، ولكن منذ ان اضحت الثورات الحديثة يطغى عليها الطابع المديني، فلم يعد للفلاحين امكانية تقديم قيادة سياسية تنبع منهم، وهكذا قيادة توفرها في كل الاحوال شرائح من الطبقة الوسطى هي الانتلجنتسيا.
فاذا كانت هذه الشريحة قد لعبت دوراَ هاماَ في قيادة الثورات البرجوازية الكلاسيكية، الا ان دورها برز اكثر في المجتمعات "النامية" الحديثة.
لقد وفرت شروط ضعف الطبقة العاملة لهذه الطبقة الوسطى ان تلعب دوراَ قيادياَ في الحركات الشعبية. لكن الثورات التي نتجت عن هكذا شروط كانت تحديثية وقومية ومناهضة للاستعمار، ولكنها لم تكن ولا باي حال ثورات اشتراكية.
يجد افراد هذه الشريحة الوسطى الباحثون عن اله جديد غايتهم في مفهوم "الشعب" وخاصة تلك الاقسام منه التي تعاني من صعوبة شديدة في تنظيم نفسها أي الفلاحين. وتترافق رغبتها بالالتحام ب"الشعب" ووضع حد لخضوع البلد او "الامة" مع شعور متنامي بالفوقية. فهذه النخبة تشعر بان الجماهير(ها) هي الى درجة من التخلف و البلادة تعيقها عن القيام بالثورة لوحدها، هذه المقاربة تفسر ميل وانجذاب اغلب هذه البلدان النامية (مصر، الجزائر، سوريا، غانا، اليمن الجنوبي......) الى شكل سياسي من الحكم الفردي ورأسمالية الدولة. وقد اطلق على هذه السيرورة مصطلح " الثورة الدائمة المنحرفة، او بالمقلوب)
في كل مكان كانت فيه القوى الاجتماعية الاساسية، وبشكل خاص الطبقة العاملة ضعيفة او مفككة وتفتقر الى قيادة سياسية اشتراكية، فقد استمرت فيه هذه الشرائح الوسطى بلعب دور سياسي طويل حتى بعد اندثار وتفكك تجسيداتها الايديولوجية. وانهيار الاتحاد السوفياتي وحقبة الحرب الباردة.
و ماذا عن "الكتلة التاريخية"؟
لا يمت مفهوم "الكتلة التاريخية" لدى غرامشي(دفاتر السجن) باي صلة بمفهوم شاع عنه باعتباره نوع من التحالف مع البرجوازية. مثلما ان مفهوم الهيمنة لدى غرامشي لا تعني عنده حجة لكل من يرغب بتقديم تنازلات للطبقات المالكة او السعي للاتفاق معها.
لقد اكد غرامشي، بما لا يترك مجالاَ للشك، ضرورة بناء تحالف بين حركتي العمال الصناعيين والزراعيين. كما اكد على الدور الحاسم للمثقفين في تشكيل هذه التحالفات. لانه يرى بان المثقفين يلعبون دوراَ رئيسياَ في ربط الفلاحين بطبقة ملاك الاراضي، لذلك دعا الى الحاجة لكسر هذا الرابط من خلال بناء تيار يساري في اوساط المثقفين.
واذ اشار غرامشي الى اهمية توفر شكل من التوافق في اوساط الجماهير الفلاحية كشرط اولي قبل تعبئتهم في مواجهة الرأسمالية، فانه انما يعني التحالف مع الفلاحين وليس مع الرأسماليين من اجل قطع علاقتهم مع ظبقة كبار ملاك الاراضي.
هذا هو مفهوم "الكتلة" التاريخية" الذي له دور محدد في التغيير الاجتماعي، لا علاقة له باي شكل من الاشكال مع دعوة التحالف او التعاون بين العمال والرأسماليين، او بين العمال وبين الاحزاب الشعبوية او الليبرالية او ما شابهها.
لأن تحقيق الهيمنة السياسية تعني – وفق غرامشي- قدرة الطبقة العاملة على قيادة تحالفات سياسية، وان تصبح شعاراتها ومطالبها هي شعارات ومطالب الشرائح الوسطى والفلاحين والشرائح المفقرة من الطبقة الوسطى، باعتبار تحقيق ذلك شرط اولي لتحقيق النصر.
الثورة، في النظرية الماركسية، لا يمكن ان تكون سوى من عمل الجماهير الواسعة، وليست ابداَ من عمل اقلية صغيرة كائناَ ما كانت، والانتفاضة هي اوج هذه السيرورة ولحظة نوعية تنظم كفن.
ومن اجل اقناع وكسب الجماهير للثورة الاشتراكية، فان عمل يومي وشاق سيكون ضرورياَ... من اجل " مراكمة القوى داخل الطبقة العاملة". فالدعوة للثورة الاشتراكية والسلطة العمالية لا تتضمن في كل الاحوال ادنى تبني للمغامرات اليسارية المتطرفة التي تدفع بالجماهير في شروط يتم فيها هزيمتها وسحقها. ومهمة الماركسيين ان يعرفوا تماماَ التمييز بين مرحلة مراكمة القوى وبين مرحلة استخدام هذه القوى في العمل الثوري.
الخطأ الفادح الذي ارتكبته الاشتراكية –الديمقراطية كان تحويلها لاستراتيجية مراكمة القوى الى استراتيجية دائمة. وتحويلها للمشاركة في الانتخابات الى استراتيجية لاستلام السلطة وليس لمراكمة القوى.
الديمقراطية والدكتاتورية
تقوم انظمة الحكم على اليات من نوعين : الاولى تحقيق الرضاء والثانية الاكراه. وفي حين نجد ان وزن الاجهزة الايديولوجية ووسائل الاعلام كبيرة وهامة في الديمقراطيات، دون غياب الاكراه والقوة . فاننا نرى بان اليات القوة والاكراه هي الاهم والابرز في الدكتاتوريات، دون الغاء حاجتها الى حد ما من الرضاء. وعلى الرغم من سيطرة الانظمة الدكتاتورية على مفاصل نشاطات المجتمع، ووجود –اوغياب- مؤسسات برلمانية شكلية الا انه يبقى دائما مساحات ومجالات يمكن الصراع عليها.
ان سيرورة هزيمة هذه الانظمة- بقراءة التجارب العديدة الحديثة(وخاصة في امريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا)- تنمو من خلال عملية تراكم لقوى بطئ وسري، حتى تنفجرالنضالات في بعض القطاعات المؤثرة ان كانت الحركة الطلابية ام النقابية او الحركات الشعبية. وتشير قراءة هذه التجارب الى انه ليس مهماَ ماهية القطاع الذي يبادر بالحركة، والتي تأخذ عموماَ طابع تحرك جماهير ينفجر بعد فترة طويلة من الاختمار والاعداد. وتحمل هذه الحركات مطالب ديمقراطية ( مثل شعارات لتسقط الدكتاتورية او لتسقط الحكومة) مما قد يؤدي في البداية الى تعديل موازين القوى مع الدكتاتورية، حتى يصل الى نسف اسسها.
ان التحركات الجماهيرية تبدو في البداية وكأنها "حرب حركة"، اذ يؤدي بروز نضالات كبيرة يعمق التناقضات الاجتماعية، الى ان تظفر القوى السياسية بمساحات جديدة للعمل والتوسع في عدد من المؤسسات وان تعيد بناء ذاتها وتراكم مزيد من القوى، مما يسمح لها بنشاطات اكثر هجومية، حتى لو كانت امكانياتها ما تزال محدودة، مثل "احتلال" اماكن للتظاهر والاعتصام والدعاية والنشاط..الخ.
وتأخذ التحركات الجماهيرية في ظل الانظمة الدكتاتورية،في العادة، طابع طبقي تعددي، وتشمل حتى قطاعات من البرجوازية. ولكن البرجوازية، كطبقة غير حازمة حتى في الصراع من اجل المطالب الديمقراطية، لا ترغب باي ثورة خشية ان لا تذهب الجماهير بعيداَ في المطالبة بما هو اكثر من مجرد تغيير اشكال السيطرة (الطاقم الحاكم). ومشاركة اقسام من البرجوازية في الصراع من اجل الديمقراطية يأتي عموماَ عندما يصل هذا الصراع الى ذروته، وتحاول ان تضعه في اطار وحدود الرأسمالية. اذن، تقوم البرجوازية باستخدام قوتها الاقتصادية والاجتماعية للتلاعب بالثورة وتجميدها في مرحلتها الديمقراطية.
على سبيل المثال، ترافق الضغط الثوري من الاسفل (الجماهيري) في البرازيل عام 1982 مع اصلاح –ذاتي للدكتاتورية ادى الى انتقال ديمقراطي متفاوض عليه وحافظ على سيطرة البرجوازية المدنية، بينما لم تلعب الطبقة العاملة البرازيلية دوراَ مستقلاَ بل انحلت في الحركة الديمقراطية العامة.
اما في الارجنتين عام 1982 فان الثورة وسقوط الحكم العسكري لم يترافقا مع بروز هيئات مجالسية او هيئات ازدواجية سلطة. ولم يكن هنالك أي حزب ذو نفوذ جماهيري، مما ادى الى قيام اقسام من البرجوازية باستلام السلطة.
ليس المثال الارجنتيني يتيماَ. فقد شهدت بلدان امريكا اللاتينية سيرورات مشابهة. أي ان سقوط الدكتاتوريات مع غياب لهيئات سلطة بديلة ادى، مع وجود طبقة حاكمة جاهزة لاستخدام مؤسسات البرجوازية الديمقراطية، الى حرف النضالات الجماهيرية وتجميد السيرورة الثورية.
والدرس الرئيسي من هذه التجارب هو ضرورة ان يجهد الاشتراكيون في العمل داخل صفوف الحركة العمالية واوساط الشباب والمنظمات الشعبية والفلاحية.. والقيام- على اساس هذه الاستراتيجية الدائمة- بالتنظيم من الاسفل(القاعدي) والسعي لتوحيد الصفوف والشرح الصبور والمثابر لضرورة بناء نظام من نوع جديد يقوم على الحشد الجماهيري الدائم وقيام الجماهير العاملة والمأجورة بتنظيمها الذاتي وادارتها الذاتية للحكم.
الثورات المخملية
ان محصلة تجارب ثورات اوربا الشرقية عام 1989 كانت مزيجاَ من الانجاز وخيبة الامل في الوقت نفسه.
الانجاز الحقيقي لثورات 1989 هو انها اسقطت سياسية دكتاتورية واقامت محلها شكل للحكم يسمح فيه للعمال بحق تشكيل والانظمام الى النقابات التي لم تعد تحت سيطرة الدولة.وحقهم في التنظيم السياسي والتعبير عن انفسهم، وحرية لم يعهدوها في ظل الانظمة الستالينية السابقة.
اما خيبة الامل فتنبع من ان مثل هذه الحركة الثورية العالمية قد انتهت باقامة نظام اقتصادي وسياسي يحافظ على السلطة الواسعة للطبقة الحاكمة، متيحاَ لها في المجال باعادة تجديد سيرورة تراكم رأس المال، من خلال مفاقمة استغلال العمال. هذه الخيبة يمكن النظر اليها من زاويتين. الاولى هي تحرر العديد من الشخصيات القيادية لهذه الثورات من اوهامها،وقد اجادت روزا لوكسمبورغ في وصفها بان " المصلح البرجوازي الصغير يرى جوانب (حسنة) و (سيئة) في كل شئ. انه يقضم قليلاَ من كل انواع الاعشاب".والثانية هي في فداحة الاستغلال الاقتصادي وعملية العزل السياسي الذي تتعرض له جماهير العمال في مجمل دول اوربا الشرقية. والذي يترافق مع تدهور حاد للمستوى المعيشي لغالبية السكان.
بالمقارنة، فان خيبة امل ثوريي ثورات 1989 هو نوعياَ مختلف عن خيبة امل ثوريي الثورات البرجوازية الكلاسيكية. لأن برنامج الاخيرين لم يكن ممكناَ تحقيقه بسبب الشروط الاقتصادية- الجتماعية للعصر. بينما تم هزيمة برنامج البلاشفة في روسيا من خلال ثورة –مضادة هي الستالينية. اما ثوريي الديمقراطية لعام 1989 فان خيبتهم نتجت –على العكس من الاخيرين- من ان برامجهم قد تحققت. والخطأ (سبب الخيبة) يكمن في البرنامج وليس في شروط الوضع الموضوعي او سلطة القوى التي واجهتهم.
خاتمة
تشير دروس كل الثورات السابقة الى ان كل الثورات ومن ضمنها الثورات الاشتراكية تبدأ بالمعركة من اجل المطالب الديمقراطية. وعلى الاشتراكيين ان يكونوا في مقدمة النضال من اجل كل انواع الاصلاحات الديمقراطية.
وقد اكدت التجربة الاندونيسية، مثلاَ، حقيقة ان الدولة الاندونيسية هي دولة رأسمالية، وان البرجوازية الاندونيسية مرتبطة عضوياَ بالدولة، مما يوضح وببساطة حدود السياسات الديمقراطية الصرفة، والسرعة التي يمكن ان تبرز من خلالها السياسات والمطالب الاشتراكية في دينامية الثورة اللاحقة، مما يعزز من اهمية طرح مطالب اشتراكية.
بل ان الاهم، هو ان يرفع الاشتراكيون المطالب الديمقراطية بطريقة مختلفة عن اؤلئك الذين هم مجرد مشاركين في "الثورة الديمقراطية". وان يلجأوا الى وسائل ولقنيات انظيمية مختلفة لتحقيق هذه المطالب.
وكان قد اكد ماركس عام 1848 على ضرورة ان يبقى العمال متقدمين" بخطوة" امام المعارضة الليبرالية، وان تكون مطالبهم، وان كانت "ديمقراطية"، ذات محتوى طبقي خاص تضع العمال في مواجهة الديمقراطيين الليبراليين.
كانت قضية التكتيكات والشعارات اليومية بالنسبة لماركس جزء لا يتجزأ من فهم استراتيجي اوسع يتمركز حول ان الهدف الذي نسير نحوه هو الثورة الاشتراكية. وهو لذلك لم يتحدث عن عن خكومة مؤقتة يشكلها العمال او حاول التكهن بشكل الخكومة المؤقتة التي يمكن ان يشكلها الديمقراطيون البرجوازيون.
لقد فدرك ماركس وانجلز ان الاستقطاب الطبقي يقسم ويفرز المعسكر الديمقراطي. وقد اشار انجلز الى ان كل الثورات تبدأ ب"وحدة ديمقراطية متعددة الطبقات في موادهة النظام القديم. ولكن تطور الثورة في مراحلها الاولى يفسح في المجال للانقسامات والاصطفافات السياسية ضمن المعسكر الثوري على اساس التمايزات الطبقية. هكذا كان الحال في كل الثورات السابقة ومن ضمنها الثورات البرجوازية الكلاسيكية.
لكن كل الثورات اللاحقة لعام 1848 تتميز –بسبب الشروط الموضوعية لتطور الرأسمالية والامبريالية – بامكانية ان يتطور هذا التفاوت الطبقي الى درجة يقوم فيها العمال باقامة سلطتهم المتميزة أي المجالس العمالية. فالاشتراكية عند ماركس هي " التحرر الذاتي للطبقة العاملة، ولا احد اخر يمكن ان يحقق الاشتراكية لهم".
وقد برزت هذه المجالس، كهيئات للنشاط والنضالات، عمومأ بشكل عفوي في كل الانتفاضات الثورية : في المانيا 1918 وهنغاريا 1919 وايطاليا عامي 1919 و 1920 وفي اسبانيا 1936 وهنغاريا 1956 وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا 1968 والبرتغال 1974 وتشيلي.....
ولأن مقولة ان"تحرر الطبقة العاملة هو من عمل الطبقة العاملة نفسها" هي من المقولات الاساسية في الماركسية، فان مجالس العمال والمنتجين،التي هي هيئات غير حزبية، تمثل الاقسام المتعددة لنضال الطبقة العاملة. وقد تمر فترة طويلة يكون فيها الهيمنة هي لاشتراكيين"معتدلين" من الباحثين عن تسوية مع الحكومة المؤقتة، كما حصل مع سوفييتات الثورة الروسية التي سيطر عليها المناشفة وحلفائهم معظم عام 1917، ولكن نتيجة و مصير الثورة الروسية لم يكن بالامكان حسمه الا من خلال قدرة الثوريين –ام لا- على الظفر بالاغلبية داخل السوفييتات خلال مسار الثورة. وفقط عندما حازوا على هذه الاغلبية داخل السوفييتات قادوها الى القضاء على الحكومة المؤقتة.
ان تطور الرأسمالية الحديث يجعل البرجوازية تخشى الطبقة العاملة اكثر من خشيتهامن النظام القديم الذي يجثم على كاهلها.
واخيراَ، فان انهيار ما كان يسمى بالانظمة "الاشتراكية" في فترة ثورات 1989 لغاية انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 فتح الباب امام حقبة يسودها خطاب ديمقراطي يتمحور حول الحدود الدنيا من الليبرالية البرلمانية والانتخابات مع ربط المطلب الديمقراطي "حكماَ" باقتصاد السوق. ويتم في هذا الاطار فصل امكانية تحقيق الديمقراطية عن النضالات الشعبية التي كانت دائماَ شرطاَ ضروريا للظفر بالحريات الديمقراطية.
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
رد: في الماركسية
تحية للرفيق سلفادور ألندي
أشكرك على هذا العرض الذي قدمته حول الماركسية، لكن هناك نقاط بدت لي غير واضحة، لذلك سأسعى لمناقشتك فيها
أدت ثورات 1989 الى انهاء عصر، اشاعت خلاله الاحزاب الشيوعية-الستالينية- عالمياَ مقولة ان حركات الطبقة العاملة لا يمكنها القيام بالثورة الاشتراكية حتى يتم انجاز وتحقيق مهام الثورة الديمقراطية. بالرغم من ذلك ما تزال تتردد مثل هذه الاطروحات بالرغم من غياب البنى التي كانت تدعو لها سابقاَ. وللمفارقة التاريخية فقد حصل الشئ نفسه بعد ثورات 1848 وثورة 1905. سنتناول لاحقاَ وبايجاز بعض الدروس الاساسية لسلسلة من الثورات.
أولا : هل ما وقع من أحداث في أروبا الشرقية يُعتبر ثورة؟
ثانيا : ما المقصود بالأحزاب الشيوعية الستالينية؟
فإلى حدّ علمي أن الأحزاب الشيوعية الدائرة في الفلك السوفييتي قامت بتجريم ستالين منذ الفترة الخرتشوفية، فلا أدري ما دخل ستالين في شؤون هذه الأحزاب؟
ثالثا : بخصوص إنجاز وتحقسق مهام الثورة الديمقراطيّة ، فلا أدري هل تنفي هذه المهام جملة وتفصيلا من جدول أعمال الطبقة العاملة، وبالتالي هي ليست مهام مطروحة للتحقيق، أم ماذا؟
تحياتي.
mouyn- عضو بارز
- عدد الرسائل : 42
العمر : 58
تاريخ التسجيل : 19/12/2007
في الماركسية
تحياتي رفيق معين
اعتمدت في صياغة النص على نصوص للماركسي الفلسطيني غالب هلسا و على كراس نظري داخلي لحزب ماركسي لينيني تونسي و كنت أهدف أساسا إلى بيان تهافت الدعاوي القائمة على شعارات "موت الإيديولوجية" و "نهاية التاريخ" و المبشرة بسيادة الرأسمالية بقيمها الإقتصادية المتمثلة في تحرير الإقتصاد و نظمها السياسية القائمة على الديمقراطيةالبرجوازية بأخلاقها الإج و الس.المرتكزة على مقولات حقوق الإنسان و المواطن بالمفهوم الليبيرالي (الإنتقائي) لهذه الحقوق.
مضمون النص مراوحة بين التاريخ و الفكر و النقد والبحث في مواضيع شتى تلامس المفاهيم قدر ملامستها أعلام الفكر الإشتراكي العلمي تدفع القارئ للتساؤل و الدٌهشة (أليست الدهشة بداية التفلسف) و التمكن من الحد الأدنى من المعارف الأساسية التي تساعده على فهم ما يدور حوله دون تيه أو دجل.
قطعا رفيق معين لم تكن أحداث 1989 ثورة وما أبعدها عن ذلك.فالثورة هي عملية التحول الكيفي من تشكيلة إقتصادية إجتماعية إلى تشكيلة إق و إج نقيظة اي الإنتقال من نمط إنتاج بمضامينه البنيوية و الطبقية و الإيديولوجية إلى نمط إنتاج نقيض شكلا و مضمونا لكن الدعاية الرأسمالية التي أججت و دعمت تلك الاحداث تريد تصويرها كفتح مبين و أسباب ذلك غير خافية.
طبعا الاحزاب الشيوعية الدائرة في فلك الإتحاد السوفياتي شجبت و أدانت ستالين مندذ عهد خروتشوف لكن ما رأيك في الاحزاب الشيوعية الدائرة في الفلك الألباني. المقصود في النص هو أن الاحزاب الشيوعية الستالينية ترى أن الثورة الوطنية الديمقراطية أولى مراحل البناء الإشتراكي.
أما سؤالك إياي بخصوص الثو.الو.الديمقراطية فقطعا هي على رأس المهام و هي الخطوة الاولى باتجاه البناء الإشتراكي و لكن أكيد أنك تعرف بأن الماركسيين و الأحزاب الشيوعية التونسية تختلف في ما هو كنه و طبيعة الثو.الو.الديمقراطية و في الحقيقة أن الخلاف راجع إلى الإختلافات في طبيعة المجتمع فهى التي بتحديدها تتضح طبيعة البنى و الطبقات و العلاقات الإجتماعية و الإق. و بالتالي طبيعة التحالفات و الخطط و البرامج و مواضيع الإستراتيجيا و التكتيك المطروحة على حزب الط.العاملة
.مع فائق الإحترام رفيق معين
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
اعتذار
أعتذر عن صغر حجم الحروف
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
رد: في الماركسية
شكرا للرفيق سلفادور ألندي على التوضيح.
بالنسبة للأحزاب التي يقال أنها تدور في الفلك الألباني أيام الرفيق أنور خوجا وبعده رامز عليّا، فأعتقد أن هذه المسألة مفبركة.
فلو أخذنا مثال حزب العمال الشيوعي التونسي، فالعديد من مناضليه كانوا يقولون بأنهم يتبعون خط أنور خوجا، لكن في أدبياتهم تجد هناك إختلافات كبيرة.
المسألة كما فهمتها في ذلك الحين :
الصراع المحتدم بين قطبي اليسار (حزب العمال الشيوعي التونسي والوطنيين الديمقراطيين)، أفرز هذا التمترس خلف خط أنور خوجة من طرف حزب العمال، فالطرح الوطني الديمقراطي هو طرح ماوي، وأنور خوجا كما هو معلوم كان يكفّر ماو تسي نونغ (تحريفي ومرتد عن الماركسية اللينينية...)، فإعتمد حزب العمال على هذه الإتهامات الخوجية ليحارب بها ماوية الوطنيين الديمقراطيين.
يعني، الحكاية هي صراع سياسي يدور في تونس فبركوا له مضلة أممية.
سأعود لبقية الموضوع للإستيضاح إذا وجدت بعض الأشياء الغير واضحة من وجهة نظري.
تحياتي.
mouyn- عضو بارز
- عدد الرسائل : 42
العمر : 58
تاريخ التسجيل : 19/12/2007
رد: في الماركسية
تحياتي رفيق معين
بودّي في طور لاحق عندما ينجح المنتدى في استقطاب اهتمام أعضاء آخرين ولم لا أعداد هامة من شباب تونس أن تخاض نقاشات حول البدائل و التصورات السياسية بالموازاة مع التثقيف و المسائل الأخرى
إننا بأمسّ الحاجة لعرض برامج مختلف العائلات الفكرية و السياسية على أوسع نطاق بعيدا عن اللغو و منطق التخوين الذي يمارس في الجامعة و المقاهي
علينا أن نعود لطرح البرامج و قراءة الواقع و متابعة الوضع الإقليمي و الدولي وتحليله بما يسمح لنا بمعرفة مهامنا وخوض المعارك الحقيقية
بودّي في طور لاحق عندما ينجح المنتدى في استقطاب اهتمام أعضاء آخرين ولم لا أعداد هامة من شباب تونس أن تخاض نقاشات حول البدائل و التصورات السياسية بالموازاة مع التثقيف و المسائل الأخرى
إننا بأمسّ الحاجة لعرض برامج مختلف العائلات الفكرية و السياسية على أوسع نطاق بعيدا عن اللغو و منطق التخوين الذي يمارس في الجامعة و المقاهي
علينا أن نعود لطرح البرامج و قراءة الواقع و متابعة الوضع الإقليمي و الدولي وتحليله بما يسمح لنا بمعرفة مهامنا وخوض المعارك الحقيقية
salvador allende- عضو بارز
- عدد الرسائل : 55
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى